حماية المبلغين والشهود في قضايا الفساد:
تُعتبر حماية المبلغين والشهود من الركائز الأساسية لنجاح أي نظام لمكافحة الفساد. فالكثير من قضايا الفساد لا يُكشف عنها إلا من خلال بلاغ أو شهادة. غير أن المبلغ أو الشاهد قد يتعرض لمخاطر عديدة، مثل الانتقام الوظيفي أو التشويه المعنوي أو التهديدات المباشرة. ولهذا نص نظام هيئة الرقابة ومكافحة الفساد على آليات لحماية المبلغين والشهود لكن السؤال المطروح: هل هذه الحماية ضمانة حقيقية لتحقيق العدالة، أم أنها قد تتحول إلى عبء قانوني على النظام؟
أولًا: الأساس النظامي للحماية:
ورد في المادة الرابعة من النظام أن من صلاحيات الهيئة: “حماية المبلغين والشهود والخبراء والضحايا في قضايا الفساد وفق الضوابط التي يضعها مجلس الإدارة”. وهذا النص يُقر مبدأ الحماية بصفته التزامًا نظاميًا، وليس مجرد إجراء استثنائي.
ثانيًا: صور الحماية المقررة:
1.الحماية الوظيفية: منع عزل أو معاقبة الموظف الذي تقدم ببلاغ.
2.الحماية القانونية: منع ملاحقة المبلغ جنائيًا إذا كان حسن النية.
3.الحماية المادية: توفير إجراءات أمنية عند الضرورة.
4.الحماية المعنوية: صون سمعة المبلغ والشاهد، ومنع التشهير بهم.
ثالثًا: أهمية الحماية في مكافحة الفساد:
1.تشجيع الإبلاغ: بدون حماية فعالة، قد يخشى الكثيرون التقدم ببلاغاتهم.
2.تعزيز الأدلة: الشهادات غالبًا ما تكون مكملة للأدلة المادية.
3.دعم العدالة: حماية الشهود والمبلغين تعكس التزام الدولة بمبادئ العدالة.
4.ترسيخ الثقة: المواطن يثق أكثر في الأجهزة الرقابية إذا وجد ضمانات حقيقية.
رابعًا: التحديات العملية:
1.إساءة استخدام الحماية: قد يتعمد بعض الأشخاص تقديم بلاغات كيدية للاستفادة من الحماية.
2.الكلفة المادية: تطبيق برامج الحماية قد يكون مكلفًا.
3.الموازنة بين السرية والشفافية: حماية هوية المبلغ قد تتعارض مع علانية المحاكمات.
4.الضغط المؤسسي: الجهات العامة قد ترى أن الحماية تشجع موظفيها على تجاوز التسلسل الإداري.
خامسًا: الحلول المقترحة:
1.إقرار لائحة تفصيلية تحدد ضوابط الحماية وشروطها.
2.التفريق بين البلاغات الجدية والكيدية بآلية فرز دقيقة.
3.تعزيز التعاون مع الأجهزة الأمنية لتوفير الحماية الميدانية عند الحاجة.
4.تخصيص وحدة مستقلة داخل الهيئة لمتابعة شكاوى المبلغين والشهود.
سادسًا: التجارب الدولية المقارنة:
- الولايات المتحدة: لديها برنامج متكامل لحماية الشهود تحت إشراف وزارة العدل.
- سنغافورة: اعتمدت تشريعات تمنع أي إجراءات انتقامية ضد المبلغين.
- الاتحاد الأوروبي: أصدر توجيهًا ملزمًا للدول الأعضاء بحماية المبلغين في قضايا الفساد والجرائم المالية.
سابعًا: البعد الشرعي والأخلاقي:
الإسلام شجع على الشهادة وإقامة الحق، قال تعالى: “وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ” [الطلاق: 2]. وحماية الشاهد أو المبلغ تدخل في باب صيانة النفس من الضرر، وتحقيق العدل في المجتمع.




