التحرش اللفظي في البث المباشر: بين حرية التعبير وحدود النظام:
أصبح البث المباشر في منصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك، سناب شات، إنستغرام، ويوتيوب سمة العصر الرقمي الحديث، وأداة ترفيه وتفاعل اجتماعي.
لكن هذه المساحات المفتوحة التي تجمع آلاف المشاهدين في وقت واحد تحولت في بعض الأحيان إلى منصات للتحرش اللفظي، إذ يستغل بعض المستخدمين خاصية التعليقات أو الرسائل المباشرة لتمرير كلمات وإيحاءات ذات طابع جنسي، تمسّ الكرامة وتخدش الحياء.
هذه التصرفات تقع تحت طائلة القانون، وتعدّ جريمة تحرش إلكتروني مكتملة الأركان مهما حاول الجاني تبريرها بحرية التعبير.
الفرق بين حرية التعبير والإساءة اللفظية:
حرية التعبير حق مشروع ومكفول في المملكة وفق الضوابط الشرعية والنظامية، لكن لا يجوز أن تتحول الحرية إلى وسيلة اعتداء أو تشويه للآداب العامة.
وقد أوضح الملف الأكاديمي أن كل عبارة ذات مدلول جنسي أو تهدف إلى الإساءة بالحياء تدخل ضمن مفهوم التحرش ولو لم تتضمن فعلًا جسديًا
فالتحرش اللفظي في البث المباشر يأخذ شكلًا جديدًا من الجرائم المعلوماتية، إذ يُبث أمام جمهور، وتُوثق أفعاله في التسجيلات الرقمية، مما يجعلها قابلة للإثبات والمساءلة النظامية.
ويقصد بالتحرش “كل قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي تصدر من شخص تجاه آخر، تمس جسده أو عرضه أو تخدش حياءه بأي وسيلة كانت، بما في ذلك الوسائل التقنية الحديثة”.
بناءً على ذلك، فإن استخدام الكلمات أو العبارات المسيئة أثناء البث المباشر يدخل في نطاق الجريمة، حتى وإن لم تكن موجهة بالاسم، طالما توافرت نية الإيذاء أو الإيحاء الجنسي.
وتصل العقوبة إلى السجن لمدة سنتين وغرامة تصل إلى مائة ألف ريال، وتضاعف العقوبة عند تكرار الفعل أو ارتكابه ضد قاصر أو في مكان عمل أو تعليمي.
صور التحرش اللفظي في البث المباشر:
تتعدد صور التحرش اللفظي عبر البث المباشر، ومن أبرزها:
- التعليقات المسيئة: استخدام عبارات أو رموز ذات طابع جنسي في أثناء البث.
- المداخلة المباشرة: حين يطلب المتحرش الانضمام للبث ليبدي إيحاءات أو كلمات خادشة.
- التحريض أو التلميح: تشجيع صانع المحتوى على أفعال أو حركات ذات مدلول جنسي.
- التهكم أو التعدي اللفظي: السخرية من مظهر الضحية أو طريقتها بهدف الإيحاء الجنسي أو الحطّ من الكرامة.
إن هذه الأفعال جميعها تمسّ الركن المادي والمعنوي للجريمة، وتشكل خطرًا على الأمن الأخلاقي العام.
إثبات الجريمة ومسؤولية المنصات:
يُعد التسجيل الرقمي للبث المباشر من أقوى وسائل الإثبات في هذه القضايا، إذ يمكن حفظ المقطع أو توثيقه لتقديمه للجهات المختصة.
وتلزم النيابة العامة المنصات الرقمية بالتعاون لتزويدها بسجلات المستخدمين، ومعلومات الحسابات المخالفة.
كما تتحمل المنصات مسؤولية قانونية وأخلاقية في مراقبة المحتوى، وحذف البثود المسيئة فورًا عند الإبلاغ عنها.
وفي حال ثبوت علم المنصة واستمرارها في السماح بالبث، فقد تخضع لغرامات أو ملاحقة قانونية وفق نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية.
