التوازن بين الردع والرحمة في العقاب لمتعاطي المخدرات:
العدالة الجنائية بين الصرامة والرحمة:
تقوم السياسة الجنائية في المملكة العربية السعودية في قضايا المخدرات على مبدأ دقيق يجمع بين الردع والرحمة، في إطار من العدالة التي تحقق الأمن وتحفظ الكرامة الإنسانية. فالعقوبة ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة تهدف إلى حماية المجتمع وردع الجريمة، مع إعطاء الفرصة للمذنب للإصلاح والتوبة.
وقد أكد نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية هذا المبدأ من خلال النصوص التي تراعي الفروق بين الجناة، وتفرق بين المروج والمهرب والمتعاطي.
الردع كأداة لحماية المجتمع:
تُمثل جرائم المخدرات تهديدًا مباشرًا لأمن المجتمع، لما لها من آثار خطيرة على الصحة والاقتصاد والسلوك العام. ولهذا شدد النظام السعودي على الردع العام من خلال العقوبات المشددة على المروجين والمهربين الذين يعتدون على أمن الوطن وينشرون الفساد.
فالعقوبة هنا ليست فقط جزاءً للجاني، بل رسالة إلى المجتمع مفادها أن القانون لا يتسامح مع من يهدد سلامة أفراده أو يستهدف شبابه.
الرحمة كقيمة في السياسة العقابية:
في المقابل، راعى المشرع السعودي أن المتعاطي غالبًا ما يكون ضحية للظروف الاجتماعية أو النفسية أو رفقاء السوء.
لذلك أتاح النظام فرصة العلاج بدلاً من العقوبة إذا بادر المتعاطي طوعًا بطلب المساعدة قبل القبض عليه، وأجاز للقاضي استبدال السجن بالعلاج في حالات معينة.
هذا التوجه يعكس رؤية إصلاحية قائمة على مقاصد الشريعة الإسلامية التي تفتح باب التوبة وتدعو إلى الإصلاح قبل العقاب.
القاضي ودوره في تحقيق التوازن:
يُعد القاضي حجر الزاوية في تحقيق التوازن بين الردع والرحمة، فهو يملك سلطة تقديرية تُمكّنه من النظر في ظروف كل متهم على حدة، وتقدير العقوبة بما يتناسب مع حالته وسلوكه، فإذا تبين له أن المتهم متعاطٍ لأول مرة أو أبدى ندمًا حقيقيًا، جاز له تخفيف الحكم أو إحالته للعلاج. أما إذا كان متعمدًا أو مكررًا للفعل، فحينها تُغلَّب المصلحة العامة ويُطبق الردع حماية للمجتمع.
الردع الخاص والإصلاح الفردي:
الردع الخاص لا يعني القسوة، بل هو تذكير للجاني بعواقب أفعاله، ليعود إلى الطريق الصحيح. فالعقوبة الإصلاحية تُعيد بناء السلوك وتمنع التكرار، بخلاف العقوبة الانتقامية التي قد تولد الحقد أو العزلة.
ولهذا جاءت فلسفة النظام السعودي لتجعل من العقوبة وسيلة للإصلاح عبر العلاج والتأهيل والرقابة اللاحقة، مما يقلل من احتمالية العودة إلى الجريمة.
الرحمة في ضوء المصلحة العامة:
الرحمة لا تُفهم في النظام السعودي على أنها ضعف في تطبيق القانون، بل هي قوة عقلانية تُمارس في إطار الشرعية والضوابط النظامية.
فالتسامح غير المنضبط يضعف الردع، بينما الرحمة المنضبطة تبني الثقة بين المواطن والعدالة. ومن هنا جاء المبدأ القضائي الراسخ بأن “العقوبة يجب أن تحقق المصلحة العامة دون إهدار لحقوق الإنسان”.
دور المجتمع في دعم العدالة المتوازنة:
تحقيق التوازن بين الردع والرحمة لا يعتمد على القاضي وحده، بل يحتاج إلى وعي مجتمعي شامل.
فالمجتمع الذي ينبذ المتعافي من الإدمان بعد خروجه من المصحة يُساهم في انتكاسه، بينما المجتمع الذي يحتضنه يُسهم في ترسيخ العدالة الإصلاحية، كما أن الإعلام والمدارس والمؤسسات الدينية تتحمل مسؤولية توعية الأفراد بخطورة المخدرات وأهمية منح الفرصة للمتعافين للعودة إلى الحياة الطبيعية.
العدالة السعودية نموذج يحتذى:
نجحت المملكة في تطبيق سياسة عقابية متوازنة في قضايا المخدرات، جعلت من الردع درعًا للمجتمع والرحمة بابًا للإصلاح.
فالقانون السعودي يجمع بين الصرامة في مواجهة من يفسد المجتمع، والرحمة تجاه من يسعى للتوبة، ليبقى النظام نموذجًا عالميًا في تحقيق العدالة التي تحمي الوطن وتصون الإنسان في آن واحد.
				
											


