التدرج في العقوبات ودور القاضي في تقدير الجزاء المناسب،يتميز نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية في المملكة العربية السعودية بفلسفة قانونية عميقة تقوم على مبدأ التدرج في العقوبات، بما يحقق التوازن بين الردع والإصلاح. فالنظام لا ينظر إلى جميع الجرائم نظرة واحدة، بل يميز بين المتعاطي والمروج والمهرب، ويُقدر لكل منهم الجزاء المناسب بحسب خطورته وتأثيره على المجتمع.
مبدأ التدرج كضمانة للعدالة:
إن التدرج في العقوبة يُعد من ركائز العدالة الجنائية، إذ يمنع الإفراط في التشدد كما يمنع التساهل المفرط، فالمتعاطي للمرة الأولى لا يُعامل كالمروج الذي يسعى إلى الإفساد والكسب غير المشروع، والمهرب الذي يُدخل السموم إلى البلاد لا يُقاس بمن وقع في التعاطي نتيجة ضعف أو تأثر. هذه الفلسفة تضمن أن تكون العقوبة وسيلة للإصلاح لا أداة للانتقام.
دور القاضي في تقدير الجزاء:
القاضي في النظام السعودي يتمتع بسلطة تقديرية واسعة تُمكنه من مواءمة العقوبة مع ظروف الجريمة والجاني، فهو لا يقتصر على تطبيق النص الجامد، بل ينظر إلى نية المتهم، وسلوكه السابق، ومدى خطورة فعله.
فإذا تبين للقاضي أن الهدف من العقوبة لن يتحقق بالسجن، جاز له إحالة المتهم إلى مركز علاجي متخصص. وقد نص النظام صراحة على أن للقاضي استبدال العقوبة السالبة للحرية بالعلاج متى ما رأى أن ذلك يخدم المصلحة العامة.
التدرج بين التعاطي والترويج والتهريب:
يتجلى مبدأ التدرج في التمييز بين الجرائم الثلاث الأساسية:
- التعاطي: يُعتبر سلوكًا شخصيًا ضارًا، وعقوبته غالبًا ما تكون مخففة مع إمكانية الإحالة للعلاج.
- الترويج: يُعد فعلًا خطيرًا يهدد المجتمع، وعقوبته تصل إلى السجن الطويل والغرامة الكبيرة.
- التهريب: هو الأخطر، لأنه يستهدف أمن الدولة مباشرة، وقد تصل عقوبته إلى القتل تعزيرًا في حالات التكرار أو التنظيم الجماعي.
هذا التدرج في الجزاءات يجسد مبدأ التناسب بين الجريمة والعقوبة الذي أكدته المادة (38) من النظام الأساسي للحكم.
العدالة بين النص والتطبيق:
تطبيق النص النظامي بروح العدالة هو التحدي الأكبر أمام القضاء، فالعقوبة لا تُقاس فقط بخطورة الفعل، بل بمدى تحقيقها لمصلحة المجتمع وردع الجاني عن التكرار.
إن القاضي الذي يراعي الظروف الإنسانية والاجتماعية للمتهم، دون الإخلال بحقوق المجتمع، يجسد أسمى صور العدالة الجنائية في الإسلام والنظام السعودي.
القاضي بين الردع والإصلاح:
السلطة التقديرية للقاضي ليست استثناءً، بل جوهر النظام القضائي السعودي، فالقاضي يوازن بين الردع العام لحماية المجتمع والرحمة الفردية تجاه المتهم. وإذا ظهر من المتهم صدق التوبة وحسن النية، كان تخفيف العقوبة سبيلًا للإصلاح، أما إذا تبين أن المتهم مستهتر أو مكرر للفعل، فالتشديد يصبح ضرورة لحماية المجتمع من الخطر.
دور المحامي في توضيح مبدأ التدرج:
المحامي المتخصص في قضايا المخدرات يؤدي دورًا جوهريًا في إقناع المحكمة بظروف موكله، وإبراز ما يبرر تخفيف العقوبة أو استبدالها بالعلاج.
فالتدرج لا يتحقق في النظام فحسب، بل في التطبيق العملي للدفاع العادل، الذي يُظهر أن هدف العدالة هو الإصلاح لا الإيذاء.
خاتمة: العدالة المتوازنة ركيزة الأمن الاجتماعي:
إن التدرج في العقوبات يعكس عمق النظام السعودي في تحقيق العدالة المتوازنة التي تحمي المجتمع من المفسدين وتفتح باب الإصلاح للمتعثرين، فالقانون الذي يجمع بين الصرامة في الردع والرحمة في الإصلاح، هو الذي يبني مجتمعًا آمنًا وعادلاً، يحترم النص ويحتضن الإنسان.


