التحرش الإلكتروني :الجريمة الخفية في غرف الدردشة،تحوّلت الألعاب الإلكترونية في السنوات الأخيرة من وسيلة ترفيهية بريئة إلى بيئة رقمية معقّدة تجمع ملايين المستخدمين من مختلف الأعمار.
ومع انتشار خاصية الدردشة الصوتية والنصية داخل الألعاب، برزت ظاهرة التحرش الإلكتروني كأحد أخطر الانتهاكات الخفية التي تمارس ضد الأطفال والمراهقين داخل هذه المساحات التفاعلية.
التحرش في الألعاب لا يظهر في العلن، بل يتم بهدوء عبر كلمات أو إشارات أو محادثات خاصة، وغالبًا ما يستهدف الفئات الأصغر سنًا، مستغلًا عدم وعيهم أو ثقتهم الزائدة باللاعبين الآخرين.
- ماهية التحرش داخل الألعاب الإلكترونية:
يُعرّف التحرش الإلكتروني في الألعاب بأنه أي قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي تصدر عبر منصات الألعاب أو غرف الدردشة.
وتأخذ الجريمة عدة أشكال، منها:
- إرسال عبارات خادشة أثناء اللعب.
- طلب معلومات شخصية أو صور من اللاعبين الصغار.
- استخدام الرموز أو الإيماءات ذات المعاني الجنسية.
- استدراج الضحية إلى تطبيقات أخرى لمواصلة الحديث غير المشروع.
- بيئة خطرة بلا رقيب:
تُعد غرف الدردشة في الألعاب الإلكترونية من أكثر البيئات الرقمية ضعفًا في الرقابة، لأنها غالبًا لا تُخضع لمتابعة من أولياء الأمور أو الجهات التنظيمية.
كما أن خاصية الصوت الفوري تُتيح للمتحرشين فرصة الاختباء خلف أسماء مستعارة وحسابات مجهولة، مما يصعّب اكتشافهم سريعًا.
ويُلاحظ أن كثيرًا من الضحايا لا يدركون أن ما يتعرضون له يُعد تحرشًا يُعاقب عليه النظام، بل يظنونه “مزاحًا” أو “لعبًا عابرًا”.
- الإطار النظامي لتجريم الفعل:
يُطبّق على هذه الحالات نظام مكافحة التحرش (م/96 لعام 1439هـ) الذي نصّ على أن الجريمة تشمل كل فعل أو قول أو إشارة ذات مدلول جنسي تُرتكب عبر الوسائل التقنية الحديثة.
كما يشملها نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية في مواده التي تُجرّم استغلال الإنترنت في إيذاء الغير أو تهديدهم أو ابتزازهم.
وبموجب هذه النصوص، فإن التحرش داخل الألعاب الإلكترونية يعد جريمة معلوماتية وتحرشًا في آنٍ واحد، يعاقب مرتكبها بالسجن والغرامة، وتُغلظ العقوبة إذا كان الضحية قاصرًا أو استُخدم فيها التهديد أو الاستدراج.
- الأركان النظامية للجريمة:
تقوم الجريمة على ثلاثة أركان:
- الركن المادي: الفعل أو القول الموجه عبر اللعبة، سواء كتابة أو صوتًا أو رموزًا.
- الركن المعنوي: نية المتحرش في الإيذاء أو الإغراء أو خدش الحياء.
- الركن الشرعي: وجود نص نظامي يجرّم الفعل، وقد تحقق ذلك في الأنظمة السعودية.
إن الركن المعنوي يُستدل عليه من تكرار السلوك أو إصرار المتحرش على التواصل رغم الرفض، وهو ما يجعل الجريمة متكاملة الأركان حتى دون حصول لقاء مباشر .
- دور الأسرة والمجتمع:
تلعب الأسرة دورًا محوريًا في الحماية، فالألعاب الإلكترونية أصبحت نافذة مفتوحة على العالم، ولا يمكن ترك الأبناء فيها دون رقابة.
ولذلك يُنصح بـ:
- متابعة الألعاب التي يستخدمها الأبناء.
- تفعيل أدوات الرقابة الأبوية.
- التحدث مع الأطفال عن حدود التعامل في الدردشة داخل الألعاب.
- تشجيعهم على الإبلاغ عن أي شخص يطلب صورًا أو يستخدم ألفاظًا خادشة.
كما يجب على المدارس والجهات التعليمية دمج مفاهيم الأمن الرقمي والوعي التقني ضمن المناهج التربوية.
- دور الجهات الأمنية والتنظيمية:
تتولى النيابة العامة وهيئة الأمن السيبراني ووحدة مكافحة الجرائم المعلوماتية التحقيق في هذه القضايا عند التبليغ عنها، وتستعين بالخبرات الفنية لتعقب الحسابات المجهولة من خلال البصمة الرقمية وعنوان الإنترنت (IP Address).
كما بدأت الشركات العالمية المالكة للألعاب في التعاون مع الجهات السعودية لرصد السلوكيات المنحرفة داخل أنظمة المحادثة، وفرض سياسات حظر فوري على الحسابات المخالفة.
التبليغ والعقوبة:
يُمكن لأي متضرر أو ولي أمره التبليغ عبر تطبيق “كلنا أمن” أو من خلال الجهات الأمنية مباشرة، ويتم التعامل مع البلاغ بسرية تامة.
وتتراوح العقوبات بين السجن لمدة تصل إلى سنتين والغرامة حتى مائة ألف ريال، وتضاعف في حال استغلال القُصّر أو ارتكاب الجريمة من موظف أو مسؤول.
كما يجوز للقضاء الحكم بالتشهير بالمتحرش عند تكرار الجريمة أو تحقق المصلحة العامة في ذلك.
التحرش الإلكتروني بالقاصرات: منظور شرعي ونظامي لحماية الفتيات
استهداف الصغار في فضاء لا يعرف الرحمة:
في الوقت الذي فتحت فيه التقنية أبواب المعرفة والتواصل، أصبحت أيضًا ساحةً يترصد فيها ضعاف النفوس بالفتيات القاصرات عبر التطبيقات والمنصات الاجتماعية.
إن التحرش الإلكتروني بالقاصرات لا يعدّ مجرد تجاوز أخلاقي، بل جريمة جسيمة تمسّ كرامة الإنسان وحقوق الطفل، وتستوجب أقصى درجات العقوبة والتجريم.
وقد حذّر الملف الأكاديمي من خطورة هذه الصورة من التحرش التي تتم في الخفاء عبر وسائل التقنية الحديثة، مؤكدًا أن كل سلوك أو رسالة ذات مدلول جنسي موجهة لقاصر تدخل ضمن نطاق الجريمة الشرعية والنظامية.
ماهية التحرش بالقاصر وتميّزه عن غيره:
يختلف التحرش الإلكتروني بالقاصرات عن غيره من صور التحرش في أن الضحية قاصر لا تملك الوعي ولا الحماية الكاملة، وغالبًا ما يتم استدراجها تحت غطاء المساعدة أو الصداقة.
ويأخذ التحرش بالقاصرات أشكالاً متعددة مثل:
- إرسال عبارات أو صور ذات طابع جنسي.
- محاولة الحصول على صور شخصية بطرق خادعة.
- التواصل المتكرر رغم الرفض أو الحظر.
- تهديد القاصر بنشر صور أو معلومات عنها.
وهذه الأفعال تعدّ جرائم مزدوجة لأنها تمسّ الطفولة وتخالف النظام العام، وتجمع بين التحرش والجرائم المعلوماتية.
وبموجب هذه الأنظمة، فإن التحرش بالقاصرات عبر التقنية يُعد جريمة مشددة العقوبة، خصوصًا إذا كان المتحرش راشدًا أو موظفًا أو شخصًا ذا سلطة أو ثقة اجتماعية.
الأركان النظامية للجريمة:
تتكون الجريمة من ثلاثة أركان أساسية:
- الركن المادي: استخدام وسيلة تقنية (رسائل، صور، محادثات، فيديوهات) تتضمن ألفاظًا أو إشارات ذات مدلول جنسي.
- الركن المعنوي: نية الإيذاء أو الإغراء أو استغلال ضعف الإدراك عند القاصر.
- الركن الشرعي: وجود نص نظامي صريح يجرّم الفعل، وهو ما تحقق بنظام مكافحة التحرش ونظام حماية الطفل معًا.
دور النيابة العامة والقضاء:
تتعامل النيابة العامة في المملكة مع هذه القضايا بجدية بالغة، إذ تُعدّ من الجرائم الموجبة للتوقيف، لما فيها من مساس بالحياء العام واستغلال للفئات المحمية قانونًا.
وتُحال القضايا بعد التحقيق إلى المحكمة الجزائية، التي تنظر في الأدلة الرقمية، وتستند إلى التقارير الفنية من الجهات المختصة لتحديد هوية المتحرش عبر البصمة الرقمية.
كما يمكن للقاضي الحكم بتغليظ العقوبة إذا توافرت ظروف مشددة، مثل:
- ارتكاب الجريمة ضد قاصر.
- وقوع التحرش في مكان تعليمي أو اجتماعي.
- استخدام النفوذ أو الوظيفة لاستغلال الضحية.
- عزلة اجتماعية وشعور دائم بالذنب أو الخوف.
تتحمل الأسرة دورًا رئيسيًا في الحماية عبر:
- مراقبة استخدام الأبناء للإنترنت والتطبيقات.
- التحدث معهم بوضوح حول مخاطر الغرباء والرسائل المشبوهة.
- تشجيعهم على الإبلاغ الفوري دون خوف.
وقد خصصت الجهات الحكومية قنوات رسمية للتبليغ مثل تطبيق “كلنا أمن”، وهيئة مكافحة الجرائم المعلوماتية، ووحدة الحماية الاجتماعية التابعة لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.


