الاختصاص القضائي لجرائم الفساد،تُعَدُّ قضايا الفساد من أكثر القضايا التي تمس كيان الدولة وسمعة مؤسساتها، لذلك اتجه المشرع السعودي إلى وضع قواعد خاصة لضمان معالجتها بحزم وفعالية ومن أبرز هذه القواعد ما ورد في نظام هيئة الرقابة ومكافحة الفساد من اختصاص المحكمة الجزائية بمدينة الرياض بالنظر في جميع جرائم الفساد هذا الاختصاص الحصري يثير العديد من التساؤلات حول جدواه وآثاره القانونية والعملية، ومدى انسجامه مع المبادئ العامة للإجراءات القضائية في المملكة.
أولًا: الأساس النظامي للاختصاص:
نص المرسوم الملكي الصادر بالموافقة على النظام على أن: تختص المحكمة الجزائية في مدينة الرياض بالنظر في جميع جرائم الفساد” هذا النص جاء ليحسم الجدل حول الجهة القضائية المختصة، وليمنع التشتت بين المحاكم في مختلف المناطق. فالاختصاص هنا مكاني وحصري، يُلزم جميع القضايا المرتبطة بالفساد بالذهاب إلى جهة واحدة محددة، وهو ما يعكس إرادة المشرع في توحيد التفسير والتطبيق القضائي.
ثانيًا: الحكمة التشريعية من توحيد الاختصاص:
يمكن رصد عدة أهداف رئيسة لهذا التنظيم:
1.توحيد الاجتهاد القضائي: بتجميع جميع القضايا في محكمة واحدة، يتم تجنب تضارب الأحكام الذي قد يحدث بين المحاكم المختلفة.
2.تعزيز التخصص: إذ يتيح هذا التركيز للقضاة اكتساب خبرة متراكمة في قضايا الفساد، مما يرفع من كفاءة الفصل فيها.
3.حماية العدالة من التشتت: لأن قضايا الفساد غالبًا معقدة ومتشابكة بين أطراف متعددة وأدلة مالية وإدارية دقيقة.
4.إبراز أهمية القضية: بإسنادها إلى محكمة العاصمة، يُظهر المشرع أن الفساد قضية ذات أولوية وطنية عليا.
ثالثًا: الآثار العملية للاختصاص:
- على المتهمين والمدعى عليهم:
- إلزام جميع المتهمين بالمثول أمام المحكمة الجزائية بالرياض، مهما كانت أماكن إقامتهم أو وقوع الجريمة.
- ما يترتب على ذلك من مشقة السفر وتكاليف إضافية، إلا أن المشرع رجّح المصلحة العامة في توحيد المرجعية القضائية.
- على الادعاء والتحقيق:
- سهولة التنسيق بين هيئة الرقابة ومكافحة الفساد والنيابة العامة، مما يقلل من ازدواجية الإجراءات
- تمكين المحققين من التعامل مع محكمة متخصصة اعتادت على هذا النوع من القضايا.
- على المجتمع والردع العام:
- تعزيز ثقة المجتمع بجدية الدولة في مكافحة الفساد.
- سرعة إنجاز القضايا عبر محكمة مركزية متخصصة.
رابعًا: التحديات المتوقعة:
رغم مزايا الاختصاص الحصري، إلا أن هناك تحديات عملية يمكن أن تواجه تطبيقه:
1.الضغط على المحكمة الجزائية بالرياض: حيث ستتجمع لديها جميع قضايا الفساد من مختلف أنحاء المملكة، مما قد يطيل أمد المحاكمات إذا لم يُدعَم الجهاز القضائي بالكفاءات الكافية.
2.البعد الجغرافي: المتهمون والشهود من المناطق البعيدة قد يواجهون صعوبات في الحضور المتكرر.
3.إشكالات تنازع الاختصاص: خصوصًا في الحالات التي تتداخل فيها جرائم الفساد مع جرائم أخرى منظورة أمام محاكم أخرى.
خامسًا: مقارنة مع الأنظمة المقارنة:
في بعض الدول، يتم إنشاء محاكم خاصة بالفساد ذات ولاية وطنية، بينما اختار النظام السعودي منح محكمة قائمة (الجزائية بالرياض) الاختصاص الحصري. هذا الخيار يجمع بين الاستفادة من البنية القضائية القائمة وبين التركيز على قضية محددة.
سادسًا: الحلول المقترحة للتحديات:
1.زيادة عدد الدوائر القضائية المتخصصة بالفساد داخل المحكمة الجزائية بالرياض.
2.استخدام التقنية في المحاكمات عن بُعد لتخفيف أعباء الانتقال.
3.وضع ضوابط إجرائية واضحة لحالات تداخل الاختصاص مع الجرائم الأخرى.
4.التدريب المستمر للقضاة وأعضاء التحقيق على قضايا الفساد المالية والإدارية.


