مكتب المحامي سفران الشمراني

التحول الرقمي في نظام المحاكم التجارية

الرئيسية مقالات المحامي التحول الرقمي في نظام المحاكم التجارية

التحول الرقمي في نظام المحاكم التجارية:

شهد النظام القضائي في المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة تطورًا نوعيًا في بنيته التشريعية والتنظيمية، بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030 التي أولت التحول الرقمي مكانة محورية في مختلف القطاعات. ويُعد نظام المحاكم التجارية من أبرز الأنظمة التي جسدت هذا التوجه من خلال تضمينه نصوصًا واضحة حول الرقمنة وإجراءات الترافع الإلكتروني، كما ورد في المادة السابعة من النظام التي أجازت أن تكون جميع الإجراءات إلكترونية، ابتداءً من تقديم الدعوى وانتهاءً بالحكم والاعتراض.

هذا التطور لا يعكس مجرد تحديث إداري، بل يمثل نقلة نوعية في مفهوم العدالة التجارية، حيث أصبح القضاء التجاري أكثر مرونة وشفافية وسرعة في إنجاز القضايا.

أولًا: النص النظامي للتحول الرقمي:

نصت المادة السابعة من نظام المحاكم التجاري على أن إجراءات المحكمة – من تقديم الدعاوى والطلبات وقيدها ونظرها، مرورًا بالترافع وتبادل المذكرات، وانتهاءً بإصدار الحكم والاعتراض – يمكن أن تكون جميعها إلكترونية. وأكدت اللائحة التنفيذية أن ذلك يشمل إجراءات المدد النظامية، ووقت اتخاذ الإجراءات، وضوابط الترافع عن بُعد.

هذا النص يمثل نقلة تشريعية مهمة، حيث أزال القيود التقليدية التي كانت ترتبط بالحضور المادي، وفتح المجال أمام مفهوم “المحكمة الرقمية”.

ثانيًا: مزايا الرقمنة في القضاء التجاري:

  1. تسريع الفصل في القضايا: التحول الرقمي أتاح تقليص مدد نظر الدعوى من خلال اختصار الإجراءات، حيث لم يعد القاضي أو المحامي بحاجة للانتظار الطويل بين الجلسات، بل أصبح الترافع يتم عبر المنصات الإلكترونية.
  2. تقليل التكاليف: الشركات والمتقاضون لم يعودوا مضطرين لتحمل نفقات السفر أو الطباعة، وأصبح التواصل بين الأطراف يتم إلكترونيًا.
  3. الشفافية والعلنية: مع إمكانية الاطلاع على بيانات الدعاوى وأوراقها عبر المنصات، أصبح القضاء التجاري أكثر وضوحًا، مع مراعاة الاستثناءات الخاصة بالسرية المنصوص عليها في المادة الثالثة عشرة.
  4. تعزيز بيئة الاستثمار: المستثمر الأجنبي الذي يباشر نشاطًا تجاريًا في المملكة أصبح أكثر اطمئنانًا مع وجود قضاء تجاري رقمي، يواكب المعايير الدولية في سرعة الإنجاز.

ثالثًا: التحديات العملية للتحول الرقمي:

  1. حماية البيانات الإلكترونية: مع اعتماد البريد الإلكتروني والعناوين الإلكترونية وسيلة للتبليغ كما ورد في المادة التاسعة من نظام المحاكم التجاري، يبرز تحدي تأمين المعلومات من القرصنة أو الانتحال.
  2. ضمان علنية الجلسات: رغم علنية القضاء كمبدأ أساسي، إلا أن الترافع عن بُعد يطرح تساؤلات حول كيفية تحقيق هذا المبدأ عمليًا دون الإخلال بالخصوصية.
  3. التباين في البنية التقنية للأطراف: بعض الشركات الصغيرة أو الأفراد قد يفتقرون إلى البنية التكنولوجية اللازمة للتعامل مع أنظمة المحاكم الرقمية، مما قد يعيق مبدأ المساواة بين الخصوم.
  4. إشكالية الإثبات الإلكتروني: وإن كان النظام قد اعترف بحجية الدليل الإلكتروني في المادة الخامسة والخمسين من نظام المحاكم التجارية، إلا أن تطبيق ذلك يتطلب خبرة تقنية عالية لدى القضاة والمتخصصين.

رابعًا: المقارنة مع الأنظمة العالمية:

التحول الرقمي في نظام المحاكم التجارية يتماشى مع التجارب الدولية، مثل المحاكم التجارية في سنغافورة أو إنجلترا التي اعتمدت منذ سنوات على الترافع الإلكتروني. لكن ما يميز التجربة السعودية هو الإطار التشريعي الصريح الذي أعطى الشرعية الكاملة للإجراءات الرقمية، وربطها باللوائح التنفيذية لتحديد الضوابط.

خامسًا: أمثلة تطبيقية:

  • التبليغ الإلكتروني: إرسال رسائل نصية وبريد إلكتروني رسمي كعنوان معتمد للتبليغ (المادة 10) من نظام المحاكم التجارية.
  • إدارة الجلسات: إمكانية الترافع عن بُعد، وتبادل المذكرات إلكترونيًا في القضايا ذات الطبيعة اليسيرة.
  • أوامر الأداء: تقديم الطلبات إلكترونيًا مع إرفاق المستندات عبر المنصة دون الحاجة لمراجعة المحكمة حضوريًا.

سادسًا: مقترحات لتعزيز التحول الرقمي:

  1. إنشاء مراكز مساندة تقنية لخدمة الأطراف الذين يفتقرون للخبرة الإلكترونية.
  2. تطوير معايير أمان رقمية لضمان حماية بيانات القضايا التجارية.
  3. تفعيل التدريب المستمر للقضاة والمحامين على الأدوات الرقمية المستخدمة.
  4. تعزيز التكامل بين المحاكم التجارية والجهات الحكومية ذات العلاقة عبر منصات مشتركة.
شارك هذا الموضوع:

المزيد من المقالات

دور وزارة التجارة في تنظيم الامتياز التجاري

دور وزارة التجارة في تنظيم الامتياز التجاري،يشهد قطاع الامتياز التجاري في المملكة العربية السعودية نموًا متسارعًا مع تزايد اهتمام رواد الأعمال والمستثمرين بهذا النموذج الاستثماري

أرسل لنا رسالة

مكتب المحامي سفران مشبب الشمراني

طلب
استشارة