قضايا خيانة الأمانة في السعودية، تعد للأمانة دور هام في حياة المجتمعات والأفراد حيث أنها هي أساس الحفاظ على أفراد المجتمع وعلى نبلهم واستقامتهم ويعد التحلي بالأمانة هو مثال تقدير وإعجاب الناس والحوز على ثقتهم، ولهذا فالخيانة هي من أهم أسباب سقوط الأفراد وانتشار الخوف وضعف الثقة في العلاقات بينهم مما يؤدي إلى انقسام المجتمع وفصم روابطه وإفساد مصالحه، وتعد من أبشع صور الخيانة هو خيانة المرء للودائع وما أؤتمن عليه، ولهذا فخيانة الأمانة تعد جريمة من الجرائم المستقلة بذاتها وأصبحت للأسف منتشرة في المجتمعات العربية بشكل خطير، تلك الجريمة لاتعد جريمة قانونية وحسب بل هي جريمة أخلاقية ودينية ولهذا كان لا بد من الاهتمام بها ووضع القواعد القانونية الكفيلة للحد منها، ولهذا لم يغفل المشرع السعودي عن تلك الجريمة وأثارها السلبية على المجتمع لهذا قام بإصدار المرسوم الملكي رقم (م/79) بتاريخ10/9/1442هجرياً لمكافحة الاحتيال المالي وخيانة الأمانة.
أولاً:- مفهوم الجريمة في الشريعة الإسلامية والنظام السعودي
تعد خيانة الأمانة هي مخالفة الحق بنقض العهد وفي الشريعة الإسلامية عرفها جمهور الفقهاء بأنها جحد الثقة والاستيلاء على الشيء المؤتمن عليه و التواطؤ والذهاب به، ففقهاء الشريعة الإسلامية عرفوا خيانة الأمانة بمجموعة من المعاني المتقاربة كالمخالفة والجحد والاستيلاء وعدم الوفاء وكل ما يقع من خيانة للثقة التي أودعت في الفرد حيث يرتكب ما نهى الله عنه من محظورات شرعية، في قانون الإجراءات الجزائية السعودي والمرسوم الملكي لمكافحة الاحتيال المالي وخيانة الأمانة لم يرد تعريف لمفهوم خيانة الأمانة، ولكن من خلال استقراء المواد في نظام المحكمة التجارية الصادر بالمرسوم الملكي رقم(م/2) بتاريخ 15/1/1390هجرياً، يمكن تعريف خيانة الأمانة بأنه كل من أساء استعمال الأمانة سواء بالتواطؤ أو الاحتيال أو الاختلاس أو التزوير أو الإفساد والغش والتغرير لتبديد أو إتلاف أو إفساد أو الاستيلاء على أشياء تخص الآخرين سبق أن سلموها له كوديعة أو إجارة أو على سبيل الاستعمال أو الرهن بصفته وكيلاً بأجرة أو مجاناً لتوجيهها في غرض معين لمنفعتهم أو منفعة غيرهم، مما يترتب عليه الإضرار بهم، فانه يعاقب بالحبس أو الغرامة أو كليهما حسب جسامة خيانة الأمانة التي في حوزته.
ثانياً:- أوجه أثبات الجريمة في الشريعة والنظام
حتى يتم إثبات جريمة خيانة الأمانة في الشريعة الإسلامية لا بد أن يتوافر الركن المادي لها وهو قيام المؤتمن بتنفيذ خطوات خيانة الأمانة بالاستيلاء أو التبديد أو الاختلاس للشيء المؤتمن عليه لأنه بفعله تقع الجريمة والدليل على ضرورة ارتكاب الفعل( الاستيلاء أو الاختلاس أو التبديد) قول الله -عز وجل- في كتابه الكريم “وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ””، فالركن المادي في الشريعة الإسلامية هو انقلاب اليد الأمينة إلى يد خائنة كأن يكون بيد المؤتمن عين أو مال مملوك للغير وعندما يطلب المالك ما يخصه فإن المؤتمن ينكره حيث يتصرف في الشيء بالاستيلاء عليه أو استعماله لما هو غير مخصص له أو التصرف فيه.
في الركن المعنوي للجريمة في الشريعة الإسلامية لابد من توافر النية وهو ارتكاب الفعل بإرادة حرة ومدركة.
في النظام السعودي لا بد أيضاً من توافر الركنين المادي والمعنوي، فالركن المادي لجريمة خيانة الأمانة هو الفعل الذي يستولى به الجاني على الشيء حيث يتصرف به وكأنه في ملكه، وعناصر الركن المادي للجريمة في النظام كالآتي:-
- تسليم الأمانة، حيث لابد من تسليم الأمانة للخائن ويتم ائتمانه عليها.
- النشاط الذي يباشره الخائن، حيث يتمثل في السلوك الإيجابي لخائن الأمانة بالاختلاس أو التبديد أو الاستعمال فيما أؤتمن عليه.
- محل خيانة الأمانة وهو استخدام المال بغرض الانتفاع به مخالفة لأوامر مالكه.
- الضرر الناتج عن خيانة الأمانة، وهو ما يقع نتيجة قيام المؤتمن بفعل الاختلاس أو التبديد أو استعمال المؤتمن عليه ومن الممكن أن يكون الضرر معنوي.
الركن المعنوي لجريمة خيانة الأمانة في النظام السعودي هو قصد الجاني الجنائي بتغيير حيازته الناقصة إلى حيازة كاملة.
بذلك يكون المنظم السعودي سار على نهج الشريعة الإسلامية من حيث توافر أركان جريمة خيانة الأمانة و إثباتها .
ثالثاً:- قضايا خيانة الأمانة و الإدلة على تجريمها
في الشريعة الإسلامية قال الله -عز وجل- في كتابه الكريم “أن اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا”
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آية المنافق ثلاث” إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان”
إذاً فجريمة خيانة الأمانة هي من ضمن خصال المنافقين الذين توعدهم الله بالخزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم لما يترتب على تلك الجريمة من آثار خطيرة تودي إلى فقدان الثقة بين الناس ونشر الفساد في المجتمع الإسلامي.
القاعدة العامة أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، ولكنه لم يتم تجريم خيانة الأمانة في النظام السعودي بنص مستقل بل ورد تجريمها في صور بعض الأنظمة مثل:-
- حظر الممارسات التي تندرج تحت خيانة الأمانة من قبل الموظفين مثل إساءة استغلال الوظيفة حيث نصت المادة(12) من نظام الخدمة المدنية الصادر بالمرسوم الملكي رقم(م/49) بتاريخ 1397 هجرياً على” يحظر على الموظف خاصة:
أ – إساءة استعمال السلطة الوظيفية.
ب – استغلال النفوذ.
ج – قبول الرشوة أو طلبها بأي صورة من الصور المنصوص عليها في نظام مكافحة الرشوة.
د – قبول الهدايا أو الإكراميات أو خلافه بالذات أو بالوساطة لقصد الإغراء من أرباب المصالح.
ه – إفشاء الأسرار التي يطّلع عليها بحكم وظيفته ولو بعد تركه الخدمة.”
- حظر الممارسات التي تعد خيانة أمانة من قبل التجار، حيث نصت المادة (5) من نظام المحكمة التجارية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/2) بتاريخ 1390 هجرياً على “يجب على كل تاجر أن يسلك في كل أعماله التجارية بدين وشرف، فلا يرتكب غشاً ولا تدليساً ولا احتيالاً ولا غبناً ولا غرراً ولا نكثاً ولا شيئاً مما يخالف الدين والشرف بوجه من الوجوه، وإذا فعل ذلك استحق الجزاء الرادع بمقتضى قانون العقوبات المندرج في هذا النظام”
رابعاً:- عقوبات خيانة الأمانة في النظام السعودي
يعاقب خائن الأمانة في الشريعة الإسلامية بالحبس الذي يحدده القاضي أو ولي الأمر، وهي عقوبة تعزيرية تهدف إلى تقييد حرية الخائن في السجن بهدف التأديب أو يعاقب بالغرامة حيث تؤخذ من أمواله.
في نظام مكافحة الاحتيال المالي وخيانة الأمانة نصت المادة الأولى على” يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز (سبع) سنوات، وبغرامة مالية لا تزيد على (خمسة) ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ كل من استولى على مال للغير دون وجه حق بارتكابه فعلاً (أو أكثر) ينطوي على استخدام أيٍّ من طرق الاحتيال، بما فيها الكذب، أو الخداع، أو الإيهام”
بينما نصت المادة الثانية على “يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز (خمس) سنوات، وبغرامة مالية لا تزيد على (ثلاثة) ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ كل من استولى دون وجه حق على مال سُلّم إليه بحكم عمله أو على سبيل الأمانة، أو الشراكة، أو الوديعة، أو الإعارة، أو الإجارة، أو الرهن، أو الوكالة، أو تصرف فيه بسوء نية، أو أحدث به ضرراً عمداً، وذلك في غير المال العام”
إذاً فالصور التي تقع عليها جريمة خيانة الأمانة هي الشراكة أو الوديعة أو الإعارة أو الإجارة أو الرهن أو الوكالة ويتم التصرف بسوء النية.
ولم يغفل النظام السعودي عن ذكر التحريض فنص في المادة (3) على “يعاقب كل من حرض غيره، على ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام، أو اتفق معه، أو ساعده؛ إذا وقعت الجريمة بناء على هذا التحريض أو الاتفاق أو المساعدة، بما لا يتجاوز الحد الأعلى للعقوبة المقررة لها، ويعاقب بما لا يتجاوز نصف الحد الأعلى للعقوبة المقررة لها إذا لم تقع الجريمة الأصلية.”
وبالإضافة إلى الشروع في جريمة خيانة الأمان فلقد عاقب عليها أيضاً، حيث نص في المادة(4) علي” يعاقب كل من شرع في القيام بأي من الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام بما لا يتجاوز نصف الحد الأعلى للعقوبة المقررة على الجريمة التامة.”
وكما نص على التأديب في المخالفات المدنية والجنائية عند الإخلال بواجبات الوظيفة حيث نصت المادة(32) من نظام تأديب الموظفين الصادر بالمرسوم الملكي رقم (7) بتاريخ 1/2/1391هجرياً على العقوبات التأديبية التي يجوز أن توقَّع على الموظف هي:
أولاً: بالنسبة لموظفي المرتبة العاشرة فما دون أو ما يُعادِلُها:-
- الإنذار.
- اللوم.
- الخصم من الراتب بما لا يتجاوز صافي راتب ثلاثة أشهُر، على أن لا يتجاوز المخصوم شهرياً ثُلث صافي الراتب الشهري.
- الحرمان من علاوة دورية واحدة.
- الفصل.
ثانياً: بالنسبة للموظفين الذين يشغلون المرتبة الحادية عشرة فما فوق أو ما يُعادِلُها:-
- اللوم.
- الحرمان من علاوة دورية واحدة.
ونصت المادة(138) من نظام المحكمة التجارية على ” كل تاجر باع شيئاً من أمواله وأموال موكله التي هي تحت تصرفه بيعاً صحيحاً ثم أعطى للمشتري سند الفسح بإستلامه من المخزن ثم نكث عن بيعه وعارض في تسليم المبيع ولو بصورة التواطؤ مع أمين المخزن لزيادة سعر المبيع أو نحو ذلك من الأسباب غير الشريفة يعتبر ذلك التاجر مع الأمين الذي قد تواطأ معه قد أساء استعمال الأمانة والشرف التجاري ويلزم بتسليم المبيع عينا وتماماً وإذا نقص من المبيع شيء بتصرف البائع يلزم بفرق السعر هذا إنه يستحق الحبس مع الأمين المتواطئ من شهر إلى ثلاثة أشهر”
الخاتمة في قضايا خيانة الأمانة:-
يتضح من خلال المقال إن جريمة خيانة الأمانة هي جريمة مستقلة بأركانها في الشريعة الإسلامية والنظام السعودي، وأنها جريمة ذات طبيعة متباينة تندرج تحت كل عمل غير أخلاقه وتتفق الشريعة الإسلامية والأنظمة السعودية على أن خيانة الأمانة لا تقتصر على الأموال فقط بل تمتد لتشمل المنقولات والبضائع والمواد وغيرها، وتتفق الشريعة الإسلامية مع النظام السعودي على ضرورة توافر الركنين المادي والمعنوي معاً للجريمة.