تُعد قاعدة الغنم بالغرم إحدى القواعد الفقهية الهامة التي ترسخ مبدأ العدالة في تحمل التكاليف والمخاطر مقابل الحصول على المنافع، وهذه القاعدة الفقهية تُشير إلى أن التكاليف والخسائر المرتبطة بشيء ما تقع على عاتق من يستفيد منه شرعًا ؛ بمعنى آخر، من ينتفع بشيء يجب أن يتحمل ما يترتب عليه من أعباء أو تكاليف.
معنى القاعدة وألفاظها الأخرى
تعني القاعدة أن الشخص الذي ينال منفعة من شيء يتحمل مسؤولية ما يلزمه من أعباء أو مخاطر، ويظهر ذلك في القول: “من له الغنم عليه الغرم” أو “الغنم بالغرم”.
- الغرم: هو الالتزام المالي أو الجهد المطلوب لقاء الاستفادة من شيء.
- الغنم: هو المنفعة أو العائد الذي يحصل عليه الشخص من الشيء.
الفرق بين “الغُرْم بالغُنْم” و”الخراج بالضمان“
بينما تشير قاعدة “الخراج بالضمان” إلى أن من يتحمل المخاطر يكون له الحق في الحصول على العائد، فإن قاعدة “الغُرْم بالغُنْم” تُركز على الجانب المعاكس، أي أن من يحصل على الفوائد يتحمل التكاليف. القاعدتان تعملان معًا لضمان التوازن بين الحقوق والواجبات.
تطبيقات القاعدة في الفقه الإسلامي
تعكس هذه القاعدة دورًا هامًا في تنظيم المعاملات والعلاقات بين الأفراد، حيث تطبق في عدة مجالات، ومنها:
- نفقة رد العارية: يتحمل المستعير تكاليف إعادة العارية إلى صاحبها، لأن منفعتها كانت له.
- ملكية العقارات المشتركة: إذا احتاج العقار المشترك إلى ترميم أو صيانة، يتقاسم الشركاء التكاليف بناءً على حصصهم، لأن المنفعة تعود إليهم جميعًا.
- أجرة الحارس على الرهن: المرتهن، الذي يستفيد من الرهن كضمان لدينه، يتحمل أجرة حراسته.
- نفقة السفينة: إذا أُلقيت أمتعة الركاب في البحر لإنقاذ السفينة من الغرق، يتحمل الركاب قيمة الأمتعة المتلفة، لأن سلامة أرواحهم كانت هي المقابل.
- الصيانة في الأوقاف: إذا أراد أحد الموقوف عليهم السكنى في عقار موقوف، فعليه تحمل تكاليف الصيانة، لأن السكنى تعود عليه بالنفع.
- تكاليف تطهير النهر أو القنوات المشتركة: يتحمل الشركاء في النهر أو القناة التكاليف اللازمة لصيانتها، بمقدار استفادتهم من المياه أو حقوق التسييل.
- بيت المال ونفقة اللقيط: يتحمل بيت المال نفقة الطفل المجهول النسب (اللقيط)، لأنه إذا تُوفي ولم يكن له وريث، تعود تركته إلى بيت المال.
أبعاد القاعدة في تعزيز العدالة الاجتماعية
تُسهم قاعدة “الغُرْم بالغُنْم” في تحقيق التوازن بين الحقوق والالتزامات، فهي تضمن عدم تحميل الأفراد أعباءً غير مبررة أو السماح لشخص ما بالاستفادة من شيء دون تحمل مسؤولياته ، وهذا المبدأ ينسجم مع القيم الإسلامية التي تدعو إلى الإنصاف والعدل في العلاقات بين الناس.
أمثلة تطبيقية حديثة
في عالمنا المعاصر، تُعد قاعدة “الغُرْم بالغُنْم” مرجعًا رئيسيًا لتحديد المسؤوليات في القوانين المدنية والاقتصادية، على سبيل المثال:
- عقود الإيجار: يتحمل المستأجر تكاليف إصلاح الأضرار الناتجة عن استخدامه للعقار، لأنه المستفيد من الانتفاع به.
- الشركات المشتركة: يتحمل الشركاء في المشروعات المشتركة تكاليف التشغيل والصيانة بنسبة مساهماتهم في رأس المال.
الخاتمة
قاعدة “الغُرْم بالغُنْم” ليست مجرد مبدأ فقهي، بل هي تعبير عن قيم العدالة والإنصاف التي ترسخ المسؤولية الشخصية والاجتماعية. سواء في التطبيقات الفقهية التقليدية أو في المعاملات الحديثة، تظل هذه القاعدة مرجعًا هامًا لضمان التوازن بين الحقوق والالتزامات، مما يُبرز جمال الشريعة الإسلامية وعمق تشريعاتها في تحقيق العدالة بين الناس.