ضمانات المتقاضين أمام المحاكم التجارية،الحق في التقاضي ركن أساسي من أركان العدالة، لكن هذا الحق يفقد قيمته إن لم يكن محاطًا بضمانات تكفل للمتقاضين العدالة المتوازنة. ولأن القضايا التجارية ترتبط بحقوق مالية واستثمارية ضخمة، فقد اهتم نظام المحاكم التجارية السعودي بترسيخ ضمانات للمتقاضين، سواء كانوا مدعين أم مدعى عليهم، بما يعزز الثقة في النظام القضائي ويحقق الحماية القانونية المتكاملة.
أولًا: الأساس النظامي للضمانات:
- أكد النظام على أن جميع المتقاضين متساوون أمام المحاكم التجارية دون تمييز.
- نص على حق الخصوم في إبداء دفوعهم وطلباتهم وسماعها بشكل كامل.
- أقرّ مبدأ العلانية في المحاكمات، مع استثناءات محدودة تفرضها السرية التجارية أو النظام العام.
- منح الأطراف حق الاستعانة بمحامٍ أو ممثل نظامي.
- أجاز الطعن في الأحكام وفق درجات محددة، لضمان عدم وقوع الظلم.
ثانيًا: صور الضمانات الإجرائية:
1.حق التبليغ الصحيح: لا تنعقد الخصومة إلا إذا تم تبليغ الأطراف تبليغًا نظاميًا، سواء ورقيًا أو إلكترونيًا.
2.حق الدفاع: لكل طرف الحق في تقديم دفوعه ومذكراته والرد على ما يقدمه خصمه.
3.حق الاطلاع على المستندات: يتيح النظام تبادل المذكرات إلكترونيًا بما يضمن الشفافية.
4.حق الطعن:يشمل الاعتراض بالاستئناف، والنقض أمام المحكمة العليا في حالات محددة.
5.حق علنية الجلسات:الأصل أن تكون الجلسات علنية، إلا ما اقتضته المصلحة التجارية أو النظام.
ثالثًا: الضمانات الموضوعية:
1.الحياد القضائي:القاضي التجاري ملزم بالاستقلال والموضوعية.
2.تسبيب الأحكام: إلزام القاضي ببيان أسباب حكمه ليكون قابلًا للرقابة.
3.حماية السرية التجارية: عدم إفشاء المعلومات الحساسة للشركات إلا عند الضرورة.
4.حظر المماطلة: فرض جزاءات على الطرف الذي يتعمد تعطيل الخصومة.
رابعًا: أهمية الضمانات للبيئة التجارية:
1.طمأنة المستثمرين بأن حقوقهم لن تضيع.
2.تعزيز الشفافية في التعاملات التجارية.
3.تحقيق العدالة التنافسية عبر مساواة الشركات الكبرى والصغرى أمام القضاء.
4.حماية سمعة السوق السعودي كوجهة استثمارية موثوقة.
خامسًا: التحديات العملية:
1.كثرة القضايا: قد يؤدي الضغط إلى المساس بسرعة الفصل.
2.ضعف الوعي القانوني: بعض المتقاضين لا يعرفون حقوقهم الكاملة.
3.التفاوت في الممارسة: رغم النصوص، قد تختلف إجراءات بعض الدوائر.
4.الحاجة للتوازن: أحيانًا يُساء استخدام الضمانات نفسها للمماطلة.
سادسًا: المقارنة مع الأنظمة الدولية:
- في الولايات المتحدة: الدستور يكفل “الإجراءات العادلة” Due Process، بما فيها الدفاع العادل والعلنية.
- في فرنسا: يُعتبر مبدأ المساواة أمام القضاء ركيزة أساسية في المحاكم التجارية.
- في السعودية: النظام جمع بين الأصالة (الاستناد إلى الشريعة) والحداثة (الرقمنة والشفافية).
سابعًا: أمثلة تطبيقية:
1.قضية تبليغ إلكتروني: رفضت المحكمة دفع المدعى عليه بعدم علمه بالدعوى، لثبوت التبليغ عبر العنوان الإلكتروني المسجل.
2.قضية سرية تجارية:عقدت المحكمة جلسة سرية لحماية أسرار شركة من المنافسين.
3.قضية مماطلة:غرّمت المحكمة طرفًا مماطلًا لتأخره في تقديم دفوعه رغم منحه مهلة.
ثامنًا: مقترحات لتعزيز الضمانات:
1.تطوير برامج توعية للمتقاضين بحقوقهم الإجرائية.
2.تعزيز علنية الأحكام عبر نشرها مع إخفاء البيانات الحساسة.
3.استخدام الذكاء الاصطناعي لضمان العدالة في التبليغات والمواعيد.
4.تسريع آليات الطعن باستخدام أنظمة إلكترونية متكاملة.
5.التوسع في سرية الجلسات عند وجود أسرار تجارية كبرى.