سلطة القاضي التجاري في تقدير الأدلة،إن القضايا التجارية تختلف عن القضايا المدنية أو الجزائية في طبيعتها، فهي تتعلق بالمعاملات المالية والتجارية التي تتميز بالتعقيد والتنوع. ولهذا منح نظام المحاكم التجارية القاضي سلطة تقديرية واسعة في التعامل مع الأدلة، خاصةً في المواد (50–54)، حيث أقر النظام أن القاضي يملك صلاحية تقدير قيمة الدليل، وتحديد مدى كفايته لإثبات الحق.
هذا التوجه يعكس فلسفة تقوم على المرونة والملاءمة، دون أن يخل ذلك بمبدأ الانضباط القانوني أو العدالة بين الخصوم.
أولاً: الأساس النظامي لسلطة القاضي في تقدير الأدلة:
- المادة 50: أكدت أن للقاضي أن يستخلص الحقيقة من جميع الأدلة المطروحة أمامه.
- المادة 51: أجازت للمحكمة أن تستند إلى القرائن القوية في إثبات الحق.
- المادة 52: منحت القاضي سلطة الاستعانة بالخبراء عند الحاجة لتقييم الأدلة الفنية.
- المادة 53: نصت على إمكانية رفض الأدلة غير المنتجة في النزاع.
- المادة 54: أكدت أن سلطة التقدير مقيدة بوجوب التسبيب، أي أن القاضي يجب أن يبيّن أسباب ترجيحه لدليل على آخر.
ثانيًا: نطاق سلطة القاضي في تقدير الأدلة:
1.المستندات: فحص صحتها، قوتها، ومدى مطابقتها للنظام.
2.الشهادة: وزن شهادة الشهود وتقدير مدى صدقها أو تأثيرها.
3.القرائن: الاعتماد على القرائن الظاهرة مثل سلوك الأطراف أو طبيعة التعاملات.
4.الأدلة الإلكترونية: التحقق من صحة البريد الإلكتروني، الرسائل النصية، والتوقيع الرقمي.
5.التقارير الفنية: الاستعانة بخبراء محاسبين أو فنيين لتفسير الأدلة المعقدة.
ثالثًا: مزايا السلطة التقديرية للقاضي التجاري:
1.المرونة: تُمكّنه من التعامل مع قضايا متنوعة ومعقدة دون التقيد الحرفي بشكل واحد من الأدلة.
2.السرعة في الحسم: بتجاوز الأدلة الشكلية غير المنتجة والتركيز على الجوهر.
3.تحقيق العدالة الواقعية: إذ لا يقتصر القاضي على الأدلة المكتوبة، بل ينظر إلى القرائن والسياق التجاري.
4.مواكبة التطور التقني: بقبول الأدلة الإلكترونية والرقمية.
رابعًا: التحديات العملية:
1.إمكانية التفاوت بين القضاة: قد تختلف تقديراتهم لنفس الأدلة.
2.خطر الانحراف بالتقدير: إذا لم يكن التسبيب كافيًا أو واضحًا.
3.صعوبة تقييم الأدلة الفنية: مثل التقارير المحاسبية المعقدة.
4.إشكالية الإثبات الإلكتروني: التحقق من أصالة الأدلة الرقمية يحتاج إلى خبرة تقنية.
خامسًا: المقارنة مع الأنظمة الدولية:
- في إنجلترا: سلطة القاضي واسعة جدًا في تقدير الأدلة، مع التركيز على السوابق القضائية.
- في فرنسا: النظام يمنح القاضي سلطة تقديرية، لكن يخضع لتسبيب صارم.
- في السعودية: النظام جمع بين المرونة (قبول الأدلة المتنوعة) والانضباط (اشتراط التسبيب).
سادسًا: أمثلة تطبيقية:
1.نزاع حول عقد توريد: استند القاضي إلى المراسلات الإلكترونية كقرينة قوية على وجود الاتفاق.
2.دعوى شيك مرتجع: رجح القاضي شهادة المحاسب المعتمد على شهادة الشاهد العادي.
3.دعوى بين شركاء: اعتمد القاضي على سلوك الشركاء السابق كقرينة على نيتهم في توزيع الأرباح.
سابعًا: مقترحات لتعزيز فاعلية السلطة التقديرية:
1.تدريب القضاة على تقييم الأدلة الإلكترونية والتقنية.
2.إصدار مبادئ قضائية لتوحيد التوجهات في المسائل المتكررة.
3.توسيع دور الخبراء المحايدين لتقديم تقارير فنية دقيقة.
4.الرقمنة الكاملة للأدلة عبر منصة موحدة تمنع التلاعب.
5.إلزامية التسبيب المفصل في الأحكام لتقليل تفاوت التقديرات.