سلطات رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، من أبرز المستجدات التي جاء بها نظام هيئة الرقابة ومكافحة الفساد منح رئيس الهيئة سلطات واسعة تكاد توازي سلطات النائب العام. هذه الخطوة تُعَدّ تحوّلًا تشريعيًا كبيرًا في هيكلة الأجهزة العدلية والرقابية، وتعكس توجه الدولة نحو تمكين الهيئة لتكون لاعبًا محوريًا في مكافحة الفساد المالي والإداري.
أولًا: الإطار النظامي للسلطات:
جاء في المرسوم الملكي والقرار الوزاري المصاحب له أن: “يكون لرئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد ما للنائب العام من صلاحيات “هذا النص يفتح الباب لتفويض رئيس الهيئة بسلطات واسعة تشمل مباشرة التحقيقات، الإشراف على وحدات الادعاء، واتخاذ قرارات تتعلق بضبط وإيقاف المتهمين، وفقًا لنظام الإجراءات الجزائية.
ثانيًا: ماهية هذه السلطات:
يمكن تقسيم سلطات الرئيس إلى ثلاثة محاور رئيسية:
1.السلطات الإجرائية: الإذن بالتحقيق، توجيه وحدات الضبط الجنائي، الموافقة على أوامر التوقيف أو الإفراج.
2.السلطات الإدارية: الإشراف على منسوبي الهيئة، اعتماد القرارات الداخلية، تحديد اختصاصات الوحدات المختلفة.
3.السلطات المالية والتنظيمية: اقتراح الميزانية السنوية، إعداد اللوائح الإدارية والمالية، ورفعها للملك لاعتمادها.
ثالثًا: أوجه التشابه مع سلطات النائب العام:
النائب العام يملك وفق نظام الإجراءات الجزائية سلطة الإشراف على التحقيق والادعاء، وضبط سير العدالة الجزائية. بالمثل، منح النظام رئيس الهيئة سلطات:
- الإشراف القضائي والإداري على التحقيقات في قضايا الفساد.
- تمثيل الهيئة أمام الجهات القضائية بما يشبه دور النيابة العامة في تمثيل الادعاء.
- تحديد أعضاء وحدة التحقيق والادعاء، وهو ما يماثل سلطة النائب العام في تعيين المحققين.
رابعًا: أوجه الاختلاف بين الرئيس والنائب العام:
رغم هذا التشابه، إلا أن هناك اختلافات جوهرية:
1.النطاق الموضوعي: سلطات النائب العام عامة في الجرائم كافة، بينما سلطات رئيس الهيئة تقتصر على جرائم الفساد.
2.المرجعية: النائب العام يرتبط مباشرة بالملك، بينما رئيس الهيئة أيضًا يرتبط بالملك ولكن ضمن إطار هيئة متخصصة لها جهاز إداري ومالي مستقل.
3.الموقع الوظيفي: النائب العام جهاز قضائي، بينما الهيئة جهاز إداري-رقابي بسلطات قضائية محددة.
خامسًا: الآثار المترتبة على منح هذه السلطات:
- على مستوى العدالة الجنائية:
- تعزيز سرعة التعامل مع قضايا الفساد.
- تجنب تضارب الصلاحيات بين النيابة العامة والهيئة من خلال النص الصريح.
- على مستوى حماية المال العام:
- تمكين الهيئة من التدخل السريع قبل ضياع الأدلة أو تهريب الأموال.
- إعطاء الهيئة مكانة تكافئ قوة الفساد المالي والإداري المنظم.
- على المستوى الدولي:
- إبراز صورة المملكة كدولة تتبنى أجهزة متخصصة وفاعلة لمحاربة الفساد، ما يعزز الثقة لدى المستثمرين والمنظمات الدولية.
سادسًا: التحديات العملية:
1.تداخل الصلاحيات: احتمال ظهور حالات تحتاج إلى تنسيق دقيق بين النائب العام ورئيس الهيئة في جرائم متداخلة.
2.الرقابة على السلطة: وجود صلاحيات واسعة لرئيس الهيئة يتطلب وجود آليات مراجعة وتوازن قانوني.
3.توزيع الموارد البشرية: ضرورة تدريب أعضاء الهيئة على ممارسة أدوار الادعاء والتحقيق بمستوى النيابة العامة.
سابعًا: الحلول المقترحة:
- إنشاء لجنة تنسيقية دائمة بين النيابة العامة والهيئة للفصل في حالات التداخل .
- وضع لائحة تفصيلية تحدد بدقة مجالات ممارسة السلطات المشتركة.
- التوسع في الرقابة البرلمانية والإدارية على أداء الهيئة من خلال تقارير سنوية تُرفع للملك .


