ركن الخطأ في المسؤولية في البداية نوضح أن العلم هو انتاج فكري ينمو لدى الإنسان وغير ذلك من المعاني المتعددة يزدهر بقدر المشقة والجهد المبذول في الحصول على التحليل والاستقرار ولذا نجد أن الحاضر مكمل الماضي كما أن القديم إذا ما وضحت وصحت معالمه واستبانت صلاحيته يصبح لامعا قويا يستفيد منه الحاضر والمستقبل .
ونجد أن الإنسان اجتماعياً بطبعه ولا يمكنه العيش بمفرده وتنشأ بين الأفراد علاقات متعددة ومتنوعة ومن خلالها تظهر الخلافات والمسؤوليات وتظهر السلطة والحماية القانونية ونجد أن ظهور فكرة الخطأ هو بداية لتطور فكرة المسئولية.
أهمية ركن الخطأ في المسؤولية
فقد ظهر أهمية ركن الخطأ من الناحية الشرعية ويعتبر الخطأ القاعدة العامة للمسئولية ويوجب الضمان على المسئول للمضرور .
والضمان في اللغة تطلق على عدة معان منها الكفالة والالتزام والغرامة وغير ذلك من المعاني المتعددة والضمان في اصطلاح الفقهاء هو استخدام الفقهاء كلمة الضمان في معنيين الأولى بمعنى الكفالة أي ضم ذمة إلى ذمة أخرى في المطالبة والثاني بمعني الالتزام بتعويض الغير عما أصابه من ضرر إذا ركن الخطأ هو الركن الهام للمسئولية .
وطبيعة الخطأ من حيث الأثر لا تختلف في فقه القانون عنها في الفقه الإسلامي أي أن الخطأ إذا نشأ نتيجة إخلال بعمل قانوني ،كالعقد أو الإرادة المنفردة ،فإن القانون أو الشرع يوجب تنفيذ إرادة المتعاقدين المشروعة ،ولا يشترط لتنفيذ الأثر إلا أن تكون إرادة المتعاقدين سليمة من عيوب الإرادة المتمثلة في الغلط أو التدليس أو الإكراه أو الاستغلال.
وإذا نشأ الخطأ عن عمل إرادي كالفعل الضار أو الإثراء بلا سبب أو غير ذلك من الأسباب التي يفرضها القانون فإن القانون أو الشرع لا يشترط لتنفيذ الأثر سلامة الإرادة من العيوب وإنما يرتب أثره عليها بصرف النظر عن إرادة الأفراد.
ونوضح أن وجود الخطأ يوجد بوجود المسئولية ،والمسئولية في عمومها لا تخلو إما أن تكون مسئوليه أدبية أو قانونية ،والمسئولية الأدبية جزاؤها غضب الخالق وتأنيب الضمير أما المسئولية القانونية فتنقسم إلى قسمين مسئولية جنائية ،ومسئولية مدنية والمسئولية الجنائية جزاؤها عقوبة من العقوبات التي ينص عليها النظام .أما المسئولية المدنية فتنقسم إلى قسمين ،مسئولية عقدية ومسئولية تقصيرية ،وتقوم المسئولية التعاقدية عند الإخلال بالتزام تعاقدي ،وغايتها أن يقضى على المسئول بالتنفيذ إن كان ذلك ممكنا ،والا فبالتعويض عن الضرر عند عدم الوفاء بالالتزام اما المسئولية التقصيرية فتقوم عند الإخلال بواجب قانوني عام واحد لا يتغير هو الالتزام بعدم الإضرار بالغير ،وغايتها وجوب التعويض للمضرور عن الضرر الذي أصابه ،والخطأ بحسب الأصل هو بادرة النزاع الذي تقوم عليه المسئولية المدنية بنوعها التقصيرية أو التعاقدية.
وغني عن البيان أن سرد الأعمال التي يتحقق فيها معني الخطأ لا يكون من ورائه إلا إشكال وجه الحكم ولا يؤدي قط إلى وضع بيان جامع مانع ،فيجب أن يترك تحديد الخطأ لتقدير القاضي ولكن يقتضي تبصرا في التصرف يوجب إعمال بذل عناية الرجل الحريص .
ومؤداها أن المتعاقد الذي التزم ولم ينفذ التزامه من غير أن يمنعه من التنفيذ قوة قاهرة أو حادث مفاجئ يعتبر مخطئاً بمجرد عدم الوفاء بالالتزام أما تعريف الخطأ في حد ذاته فإن النصوص المذكورة لم تتعرض له بل اكتفت بوضع القاعدة العامة للمسئولية العقدية كالمسئولية التقصيرية في قيام كل منهما على الخطأ والضرر ،وعلاقة السببية.
ونجد أن المبدأ العام في الفقه الإسلامي لا يختلف من حيث المقابلة بين كل من المسئوليتين العقدية والتقصيرية ،حيث ورد النهي العام عن كل ضرر وإضرار في قوله تعالى (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) حيث ينشأ عن الإخلال بهذا النهي العام المسئولية التقصيرية والتي عبر عنها الفقهاء بضمان الفعل أما ضمان العقد المقابل للمسئولية العقدية ،فقد ورد أصله العام في قول الله تعالى ( يأيها الذين آمنوا اوفوا بالعقود)
وبهذا البيان يمكن القول بأنه لا يوجد اختلاف بين القانون والفقه الاسلامي في أن كلا منهم اقتصر على وضع القاعدة العامة للخطأ أو التعدي الموجب للضمان أو التعويض
تحديد فكرة الخطأ
اختلف الشراح في تحديد فكرة الخطأ فالبعض يعرف الخطأ بأنه اتيان فعل غير جائز ويعرفه البعض منتقد باعتبار أنه لم يقدم جديداً
ونجد أن جانب آخر من الفقه ذهب إلى تحديد معني الخطأ بأنه الإخلال بواجب قانوني مقترن بإدراك المخل إياه .
ولكن من الممكن أن يكون انسب تعريف له هو إخلال بواجب قانوني سابق ،او الانحراف عن السلوك العادي و المألوف للرجل المعتاد .
ويمكن أن نصفه الخطأ بأنه الفعل غير المألوف أو الإخلال بالتزام مشروع .
الفعل صفة ملازمة لنشاط الإنسان تشمل الفعل الإيجابي في المحل الذي نهى القانون عن إتيانه كما تشمل الفعل السلبي في المحل الذي أمر القانون بالقيام به .
معيار الخطأ
يقوم الخطأ على ركنين أحدهما مادي وهو التعدي والآخر معنوي وهو الإدراك ونجد أن معيار الخطأ حينما يكون الالتزام الملقى على عاتق المسئول التزاما ببذل عناية ،فحواه الانحراف عن السلوك المألوف في الحياة الاجتماعية ،فإذا ما حصل إنحراف عن هذا السلوك المألوف ،فما هي الظروف التي يعتد بها القاضي لقياس هذا الانحراف فمنها ظروف ذاتية أو شخصية على سبيل المثال صغر السن ومنها ظروف ظاهرة هذه لا ينفرد بها شخص دون سواه وهو ظرف خارج عن إرادة الإنسان كظرف الزمان والمكان وملابسات الحال .
أنواع الخطأ
للخطأ انواع من حيث بيان صفته عمدي أو غير عمدي إيجابي أو سلبي ، فالخطأ العمدي هو اتجاه الإرادة إلى إحداث الضرر ولذلك لا يستلزم أن تستوعب إرادة الفاعل بل يكفي أن يكون الفاعل قد إحداث الضرر مما يدل على أن الخطأ العمدي يتميز أساساً بإرادة إحداث الضرر.
أما الخطأ غير العمدي فيظهر عند الإخلال بواجب قانوني دون قصد إحداث الضرر وهو الأمر الشائع وينطوي تحته كل صور الإهمال وعدم التبصر والخفة والجهل بما ينبغي عليه وعدم بذل العناية المعتادة وعدم الوفاء بالتزام محدد كل هذه الصور تعتبر أخطاء غير عادية لعدم وجود قصد إحداث الضرر.
لذلك نقول أن الخطأ لا يقوم إلا على انحراف في السلوك وصور الانحراف في السلوك متغيرة فتارة ينشأ الخطأ عن فعل إيجابي ويطلق عليه خطأ الفعل وتارة ينشأ عن الترك المجرد أو بمناسبة عمل ويطلق عليه الامتناع أو الخطأ السلبي
والخطأ الإيجابي هو الإخلال بقاعدة ناهية عن عمل معين مثل الإخلال بالقواعد القانونية التي تنهي عن السرقة وهو الإتيان بأمر منهي عنه فلو نتج الخطأ الإيجابي عن إخلال بواجب عام كما لو تعسف المسئول في استعمال الحق .أو الإخلال بواجب عام .
والخطأ السلبي خطأ الامتناع أو خطأ الترك أو الإهمال مثلا الطبيب الذي يعمل في مصلحة حكومية أو مستشفى عام ويمتنع عن علاج أحد المرضى الذين ينبغي عليه علاجهم كذلك المقاول الذي أهمل أو امتنع عن وضع علامة إلى الحفرة التي حفرها بالطريق العام يعتبر مسؤولاً عما يحدث للغير من ضرر بسبب السقوط فيها.