دور المحكمة في تشجيع التسوية والصلح،القضاء التجاري ليس غايته مجرد إصدار الأحكام، بل يسعى أيضًا إلى حل النزاعات بأسرع الطرق وأقل التكاليف، وهو ما يحقق مصلحة الأطراف ويحافظ على العلاقات التجارية. من هذا المنطلق، نصّ نظام المحاكم التجارية في المادتين (8–19) على دور المحكمة في دعوة الخصوم للتسوية والصلح قبل الدخول في المرافعة.
هذا التوجه يُعد ترجمة عملية لمبدأ العدالة التصالحية، التي تجعل التسوية وسيلة أولى، والحكم القضائي وسيلة أخيرة.
أولاً: الأساس النظامي للتسوية والصلح:
- المادة 8: أوجبت على المحكمة أن تعرض التسوية على الخصوم في أول جلسة.
- المادة 19: أجازت إحالة النزاع إلى مركز الوساطة أو إلى المصلحين المعتمدين إذا رأى القاضي جدوى لذلك.
- إذا تم التوصل إلى اتفاق، يُثبت في محضر يُعتبر سندًا تنفيذيًا له ذات قوة الحكم القضائي.
ثانيًا: أهمية التسوية والصلح في القضايا التجارية:
1.الحفاظ على العلاقات التجارية: الحكم القضائي قد ينهي العلاقة، بينما التسوية تفتح باب الاستمرار.
2.توفير الوقت والمال: التسوية أسرع وأقل تكلفة مقارنةً بإجراءات المحاكمة الطويلة.
3.المرونة في الحلول: الأطراف يمكنهم الاتفاق على حلول وسط لا يستطيع القاضي فرضها.
4.تعزيز الثقة في القضاء: عندما يُسهم القضاء في الحل الودي، يطمئن التجار أن العدالة تهدف لمصلحتهم العملية لا الشكلية فقط.
ثالثًا: التحديات المرتبطة بالتسوية
1.رفض بعض الأطراف مبدأ التنازل أو الحل الوسط.
2.غياب ثقافة الصلح لدى بعض التجار الذين يفضلون المواجهة القضائية.
3.التوازن بين القوة والضعف التفاوضي: قد يُجبر الطرف الأقوى الأضعف على تسوية غير عادلة.
4.إمكانية عودة النزاع إذا لم تُنفذ التسوية بحسن نية.
رابعًا: المقارنة مع الأنظمة الدولية:
- في فرنسا: القاضي ملزم بمحاولة الصلح قبل المرافعة.
- في الولايات المتحدة: الوساطة جزء أساسي من النظام القضائي التجاري.
- في السعودية: ما يميز النظام هو إعطاء الاتفاق قوة السند التنفيذي، مما يمنع المماطلة ويحول الصلح إلى حكم نافذ.
خامسًا: أمثلة تطبيقية:
1.نزاع بين شركتي استيراد وتوزيع: انتهى بالاتفاق على جدولة الديون بدلًا من إصدار حكم.
2.خلاف بين شركاء في شركة مقاولات: تم الصلح على إعادة هيكلة الشركة بدلًا من تصفيتها.
3.دعوى مطالبة بمستحقات: تم الاتفاق على خصم جزء من المبلغ مقابل التعجيل بالدفع.
سادسًا: دور القاضي في التسوية:
- القاضي لا يقتصر دوره على الاستماع للأطراف، بل يُشجعهم على البحث عن حلول وسط.
- يمكنه إحالة النزاع لمراكز متخصصة في الوساطة التجارية.
- يتأكد من أن التسوية عادلة وغير مجحفة بأحد الأطراف.
سابعًا: مقترحات لتعزيز التسوية في القضاء التجاري
1.تعزيز دور مراكز الوساطة وتزويدها بخبراء تجاريين.
2.إدخال ثقافة الصلح في العقود عبر شرط تسوية إلزامي قبل رفع الدعوى.
3.تدريب القضاة والمحامين على مهارات الوساطة وحل النزاعات.
4.منح حوافز للأطراف التي تتوصل إلى الصلح، مثل تخفيض الرسوم القضائية.
5.التوسع في استخدام التقنية لعقد جلسات صلح إلكترونية.