دور القطاع الخاص في دعم القضاء التجاري:
يُعد إشراك القطاع الخاص في دعم القضاء التجاري خطوة استراتيجية تعكس حرص المملكة العربية السعودية على تطوير المنظومة القضائية، ورفع كفاءتها بما يتماشى مع متطلبات النمو الاقتصادي والتجاري. وقد نصّت المادة الخامسة من نظام المحاكم التجارية على إمكانية استعانة المحكمة بالقطاع الخاص في عدد من الإجراءات الحيوية، مثل المصالحة والوساطة، التبليغ والإشعار، قيد الدعاوى والطلبات، وتسليم الأحكام.
هذا التوجه يجسد رؤية المملكة 2030 التي أولت الشراكة بين القطاعين العام والخاص أهمية قصوى، باعتبارها ركيزة أساسية في تحقيق التحول الوطني وتعزيز بيئة الاستثمار.
أولاً: الإطار النظامي لمشاركة القطاع الخاص:
حددت المادة الخامسة بوضوح المجالات التي يمكن للقطاع الخاص أن يساهم فيها داخل المحاكم التجارية، ومنها:
- المصالحة والوساطة: إفساح المجال لمكاتب الوساطة والمراكز المعتمدة لتسوية النزاعات بعيدًا عن طول أمد المحاكمات.
- التبليغ والإشعار: استخدام شركات البريد والاتصالات لتوصيل الإشعارات الرسمية.
- قيد الدعوى والطلبات وتسليم الأحكام: مساهمة المكاتب المتخصصة في توفير خدمات متكاملة للمتقاضين.
- إدارة قاعات الجلسات وتبادل المذكرات: دعم لوجستي يخفف من الأعباء الإدارية على القضاة.
- توثيق إجراءات الإثبات وإدارة الأقسام المتخصصة: تعزيز كفاءة العمل القضائي من خلال الاستعانة بخبراء خارجيين.
ثانيًا: مزايا إشراك القطاع الخاص:
1.تسريع الإجراءات القضائية: مشاركة القطاع الخاص تساهم في اختصار الوقت، خصوصًا في القضايا ذات الطابع الإجرائي مثل التبليغات وإدارة الجلسات.
2.خفض التكاليف على الدولة: توزيع بعض المهام على القطاع الخاص يخفف من الأعباء المالية والإدارية على وزارة العدل.
3.تعزيز الشفافية: وجود مراكز وساطة مستقلة يُكسب النظام القضائي مزيدًا من الثقة، ويتيح للأطراف خيارات أوسع لحل النزاعات.
4.دعم الاستثمار الأجنبي: المستثمر الأجنبي يحتاج إلى منظومة قضائية سريعة وفعّالة، وإشراك القطاع الخاص في إدارة بعض العمليات يسهم في تحقيق ذلك.
ثالثًا: التحديات العملية:
1.ضمان الجودة والحياد: إشراك جهات خاصة يتطلب رقابة صارمة لضمان التزامها بالمعايير القضائية وعدم تضارب المصالح.
2.المسؤولية القانونية: يثار التساؤل حول مدى مسؤولية الجهة الخاصة في حال حدوث خطأ إجرائي مثل تأخير التبليغ أو فقدان مستندات.
3.التكلفة على الأطراف: قد يؤدي إشراك القطاع الخاص إلى فرض رسوم إضافية على المتقاضين، مما قد يثقل كاهل الشركات الصغيرة.
4.تفاوت الخبرات: ليست جميع الجهات الخاصة مؤهلة لتقديم خدمات عالية الجودة، وهو ما يتطلب اعتماد معايير دقيقة للترخيص والاعتماد.
رابعًا: مقارنة مع التجارب الدولية:
في العديد من الدول، مثل سنغافورة وإنجلترا، يُعتبر إشراك القطاع الخاص في الوساطة والتبليغ ممارسة شائعة. بل إن بعض الدول أنشأت شركات خاصة متخصصة بالكامل في إدارة القضايا التجارية إلكترونيًا.
لكن ما يميز التجربة السعودية هو الإطار النظامي الواضح الذي وضع ضوابط للاستعانة بالقطاع الخاص، وربطه باللوائح التنفيذية، مع الحفاظ على سلطة المحكمة العليا في الرقابة والإشراف.
خامسًا: أمثلة تطبيقية:
- المصالحة قبل قيد الدعوى: يحق للأطراف الاستعانة بمراكز الوساطة التجارية قبل اللجوء للمحكمة، مما يقلل عدد القضايا المنظورة.
- التبليغات الإلكترونية: إسناد مهمة التبليغ لشركات الاتصالات والبريد المرخصة يضمن سرعة وصول الإشعارات.
- إدارة قاعات الجلسات: تخصيص شركات متخصصة لإدارة النظام التقني في الجلسات الافتراضية.
سادسًا: مقترحات لتعزيز المشاركة:
- وضع آلية تقييم دورية للجهات الخاصة لضمان جودة الخدمات المقدمة.
- سنّ لوائح تحدد مسؤولية الجهات الخاصة في حال حدوث خلل.
- توفير خدمات مجانية أو مدعومة للشركات الصغيرة لحمايتها من الرسوم الزائدة.
- تعزيز التدريب والتأهيل للجهات الخاصة على الإجراءات القضائية والتقنيات المرتبطة بها.