دور الامتياز التجاري في دعم رواد الأعمال،تشهد المملكة العربية السعودية في المرحلة الحالية نموًا متسارعًا في قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، باعتبارها محركًا رئيسيًا لتحقيق مستهدفات رؤية 2030. ومن أبرز الأدوات التي أوجدها المشرّع لدعم هذا القطاع وتعزيز استدامته نظام الامتياز التجاري، الذي يوفّر بيئة قانونية وتنظيمية واضحة تسهم في تقليل المخاطر أمام رواد الأعمال وتفتح أمامهم فرصًا استثمارية متنوعة.
فالامتياز التجاري لا يقتصر على كونه عقدًا تجاريًا، بل يمثل شراكة استراتيجية بين مانح الامتياز وصاحب الامتياز، مبنية على تبادل الخبرة والمعرفة، مما يرفع من فرص نجاح المشاريع الجديدة ويزيد من مساهمتها في الاقتصاد الوطني.
مفهوم الامتياز التجاري وعلاقته برواد الأعمال:
الامتياز التجاري يعني ببساطة أن مانح الامتياز (صاحب العلامة التجارية أو نموذج العمل) يمنح رائد الأعمال (صاحب الامتياز) الحق في استخدام علامته التجارية ونموذجه التشغيلي مقابل رسوم أو عوائد مالية. هذه العلاقة توفر لرائد الأعمال فرصة الدخول إلى السوق من خلال نموذج مجرّب مسبقًا، بدلًا من البدء من الصفر، وهو ما يقلل من احتمالية الفشل.
وبالنسبة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، فإن الامتياز التجاري يعد بمثابة “جسر آمن” للانطلاق في السوق، لأنه يخفف من أعباء التجربة والخطأ التي قد تكون مكلفة ماليًا ونفسيًا.
الامتياز التجاري كأداة لتمكين الشباب:
أحد أهداف رؤية 2030 هو رفع نسبة مشاركة الشباب في سوق العمل وزيادة مساهمة ريادة الأعمال في الناتج المحلي. وهنا يلعب الامتياز التجاري دورًا محوريًا من خلال:
- توفير فرص استثمارية جاهزة: بدلاً من البحث عن فكرة جديدة قد لا تنجح، يستطيع رائد الأعمال تبني علامة تجارية ناجحة ومجرّبة محليًا أو عالميًا، مما يعزز فرص نجاح مشروعه.
- التقليل من المخاطر: غالبًا ما يفشل الكثير من المشاريع الصغيرة خلال السنوات الأولى. لكن الامتياز التجاري يوفر دعمًا مستمرًا من مانح الامتياز (تدريب، تسويق، إدارة عمليات)، وهو ما يقلل المخاطر على المستثمر.
- نقل الخبرات والمعرفة: عبر الامتياز، يحصل رائد الأعمال على تدريب وإشراف مباشر حول كيفية إدارة المشروع وفقًا لمعايير عالمية، مما يزيد من خبرته ويطور مهاراته.
أثر الامتياز التجاري على المنشآت الصغيرة والمتوسطة
- تعزيز القدرة التنافسية: بفضل الانضمام إلى شبكة امتياز تجاري، تستطيع المنشآت الصغيرة أن تنافس الكيانات الكبيرة بفضل العلامة التجارية القوية وخطط التسويق التي يضعها مانح الامتياز.
- تسهيل التمويل: البنوك والمستثمرون غالبًا ما ينظرون إلى مشاريع الامتياز التجاري على أنها أقل خطورة، لارتباطها بعلامات تجارية قوية. وهذا يسهل على رواد الأعمال الحصول على التمويل اللازم.
- خلق فرص عمل: عندما يتوسع رائد الأعمال من خلال الامتياز التجاري، فإنه لا يفتح باب رزق لنفسه فقط، بل يخلق وظائف جديدة للشباب السعودي، مما يعزز التوطين.
- زيادة الاستدامة: المشاريع الصغيرة عادة ما تواجه صعوبة في الاستمرار. لكن الامتياز يوفر استمرارية أكبر بفضل الدعم الإداري والفني والتسويقي.
تجارب واقعية في السوق السعودي:
- في قطاع المطاعم والمقاهي، أصبح الامتياز التجاري خيارًا مفضلًا لرواد الأعمال، حيث يمكنهم فتح فروع لعلامات معروفة مثل المقاهي العالمية أو مطاعم الوجبات السريعة.
- في القطاع التعليمي، بدأنا نشهد دخول مدارس ومراكز تدريب دولية بنظام الامتياز، مما يتيح فرصًا استثمارية جديدة للشباب.
- في القطاع الصحي، أُنشئت مراكز وعيادات صحية تعمل وفق أنظمة امتياز عالمية، مما يرفع من جودة الخدمات ويوفر وظائف متخصصة.
التحديات أمام رواد الأعمال:
رغم الفوائد الكبيرة، يواجه رواد الأعمال عدة تحديات، مثل:
- ارتفاع التكاليف الأولية لبعض الامتيازات، مما قد يشكل عائقًا أمام الشباب محدودي رأس المال.
- عدم فهم العقود بشكل كافٍ، حيث قد يدخل بعضهم في التزامات غير مدروسة إذا لم يطّلعوا جيدًا على وثيقة الإفصاح أو يستعينوا بمستشار قانوني.
- الاعتماد الزائد على المانح، مما قد يحد من الابتكار والمرونة لدى رائد الأعمال.
وللتغلب على هذه التحديات، جاء النظام ليفرض على المانح الإفصاح المسبق عن الحقوق والواجبات والمخاطر، ويشترط تسجيل العقود رسميًا، وهو ما يوفر حماية إضافية لرواد الأعمال.
دور الجهات الداعمة في تمكين رواد الأعمال عبر الامتياز:
- وزارة التجارة تتابع تنفيذ النظام واللائحة وتضمن حقوق جميع الأطراف.
- الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (منشآت) أسست مركز الامتياز التجاري، الذي يقدم الدعم والاستشارات ويعزز الوعي بالفرص الاستثمارية.
- البنوك وجهات التمويل بدأت تقدم برامج خاصة لدعم رواد الأعمال في مجال الامتياز التجاري.
مستقبل الامتياز التجاري لرواد الأعمال في السعودية:
مع توسع السوق وتنوعه، من المتوقع أن يشهد الامتياز التجاري نموًا في قطاعات جديدة مثل التقنية، الطاقة المتجددة، والخدمات الرقمية. وهذا يفتح آفاقًا أوسع أمام رواد الأعمال لاقتحام أسواق محلية وإقليمية، ويمنحهم فرصة للتحول من أصحاب مشاريع صغيرة إلى شركاء في علامات تجارية عالمية.