المقدمة: جرائم الفساد المالي والإداري
تعد جرائم الفساد المالي والإداري من أخطر الجرائم التي تواجه الدول، لما يترتب عليه من تهديد مباشر لركائز التنمية الاقتصادية، وإضعاف الثقة في مؤسسات الدولة. وقد أولت المملكة العربية السعودية اهتمامًا بالغًا بمكافحة هذه الظاهرة عبر إنشاء هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة)، وإقرار أنظمة رادعة مثل نظام مكافحة الرشوة ونظام الجرائم والعقوبات، بما يضمن تعزيز النزاهة والشفافية.
تعريف الفساد المالي :
عرف الفساد المالي بأنه : هدر المال العام وضياعه ، واستغلاله في منافع شخصية أو حزبية،أو قومية، وعرف بأنه سوء استخدام أو تحويل الأموال العامة من أجل مصلحة خاصة ، أو تبديد الأموال في مقابل خدمة ، أو تأثير معين. وعرف بأنه الانحرافات المالية المبنية على مخالفة القوانين ،أو الأنظمة ، أو منظمات المجتمع المدني ،وشركات القطاع الخاص .
تعريف الفساد الإداري:
عرف الفساد الإداري بتعاريف متعددة ومتقاربة في المعني ، ومن ذلك ما يلي : فعرف بأنه إخلال بالمصالح والواجبات العامة ، وعرف بأنه استخدام الوظيفة العامة لتحقيق مصالح خاصة ، وعرف بأنه : النشاطات التي تتم داخل جهاز حكومي ، والتي تؤدي إلى حرف ذلك الجهاز عن هدفه الرسمي الذي يمثل طلبات الجمهور والمصلحة العامة ، لصالح أهداف خاصة ، سواء كان ذلك بصبغة متجددة أم لا ، وسواء كان ذلك بأسلوب فردي أو جماعي منظم .
وعرف بأنه كل سلوك أو تصرف إيجابي أوسلبي من قبل موظف عام ، أو أي شخص مكلف بخدمة عامة أو ما في حكمها ، يهدف إلى تحقيق مصالح شخصية مادية ، أو معنوية أو إجتماعية ، سواء لنفسه ، أو لأشخاص آخرين ، على حساب المصلحة العامة ةاستغلال أو استثمار سلطاته الفعلية أو المفترضة لهذه الغاية ويشمل أيضاً أفعال وتصرفات الطرف الآخر الذي يعرض أو يقدم مثل هذه المنافع وكل من يشترك أو يتوسط في ذلك .
أنها من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف:
فإن المنظم السعودي جعل غالب الأوصاف الجرمية المتعلقة بقضايا الفساد المالي والإداري من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف حماية للمال العام والوظيفة العامة وقضايا على الفساد وتحقيقاً للردع العام والخاص طبقاً للمادة الثانية عشرة بعد المائة من ” نظام الإجراءات الجزائية ” ولما نصت عليه الفقرة (4) من البند أولاً من القرار الوزاري ما نصه ” الجرائم المعاقب عليها نظاماً بالسجن مدة تزيد عن ثلاث سنوات “
جرائم الفساد المالي والإداري لا يشملها العفو:
إن من المقرر في المملكة العربية السعودية صدور عفو من الملك أيده الله وسدده كل عام يقرر فيه العفو عن بعض العقوبات التعزيرية التي صدر فيها حكم قضائي مكتسباً الصفة القطعية ، وبالتالي فإن جرائم الفساد المالي والإداري لا تكون مشمولة بتعليمات العفو حيث نصت الفقرة (ثانياً) قضايا السجناء السعوديين غير المشمولين بالعفو على ” قضايا جرائم الفساد المالي والإداري ، وخيانة الأمانة ونزاهة الوظيفة العامة”.
مفهوم الجريمة:
يقصد بالفساد المالي والإداري كل سلوك غير مشروع يقوم به موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة لتحقيق مصلحة شخصية أو الإضرار بالمصلحة العامة. ومن أبرز صوره: الرشوة، الاختلاس، استغلال النفوذ، إساءة استعمال السلطة، التلاعب في المناقصات والمزايدات الحكومية.
الأساس النظامي:
نصت المادة الأولى من نظام مكافحة الرشوة على تجريم كل موظف عام يطلب أو يقبل لنفسه أو لغيره عطية أو وعدًا أو ميزة لأداء عمل من أعمال وظيفته. كما قررت المادة (2) عقوبة السجن مدة تصل إلى عشر سنوات، وغرامة تصل إلى مليون ريال، وذلك لتجعل من العقوبة وسيلة ردع عامة وخاصة.
موقف القضاء السعودي:
أصدرت المحاكم السعودية عدة أحكام مشددة بحق مرتكبي جرائم الفساد، انطلاقًا من اعتبارها من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف، كما أن المحكمة العليا أكدت في مبادئها أن “جرائم الرشوة والاختلاس تمس المصلحة العامة، ولا يجوز التساهل فيها تحت أي مبرر”.
وختامًا:
إن مواجهة الفساد المالي والإداري لا تتحقق بالعقوبات وحدها، بل تستلزم تعزيز ثقافة النزاهة والشفافية، وتفعيل أدوات الرقابة الداخلية والخارجية. فمكافحة الفساد مسؤولية وطنية تشاركية بين الأجهزة الحكومية والمجتمع، وهو ما تسعى إليه رؤية المملكة 2030 عبر ترسيخ مبدأ الحوكمة الرشيدة وضمان الاستدامة المالية.