يعد الإيفاء بالعقود وتنفيذها أحد المبادئ الأساسية لقوامة المجتمع وانتشار الثقة بين أفراده، ويعد العقد الإداري من أهم أنواع العقود، حيث إن نظرية العقد الإداري حظيت بالعديد من الدراسات والبحوث وهذا لما لها من خصائص تميزها عن العقود الأخرى، حيث يتم إبرام العقد الإداري مع شخص معنوي عام بقصد تنظيم مرفق عام أو تسييره مستخدما وسائل النظام العام، ولهذا يعد العقد الإداري من أهم الوسائل النظامية التي تلجأ إليها الإدارة لتسيير المرافق العامة وتنفيذ مشاريعها.
ولأن العقد الإداري هدفه الأصيل هو أن يبرم للصالح العام، فالإدارة تسعى إلى تحقيق المصلحة العامة من خلال قيام المتعاقد معها بتنفيذ التزاماته بكل دقة وإتقان، وفي الوقت نفسه يسعى المتعاقد إلى تحقيق الربح الذي يمثل منفعة شخصية له، وبذلك فإن نظرية العقود الإدارية تشكل توازناً بين المنفعة التي يسعى إليها المتعاقد وبين الإدارة التي يجب أن يكون لها الأولوية، وبذلك تمر العقود الإدارية بمجموعة من الإجراءات والقرارات التي تحددها الأنظمة القانونية وفي هذا المقال سنوضح كل ما يخص تنظيم العقد الإداري.
أولا:- المقصود بـ العقد الإداري .
العقد الإداري عرف بأنه الاتفاق الذي يكون أحد أطرافه شخصاً معنوياً عاماً بقصد إدارة أحد المرافق العامة أو تسييرها، وتظهر فيه النية في الأخذ بأسلوب القانون العام، ولذلك يتضمن العقد شروطاً استثنائية غير مألوفة في التعامل بين الأفراد بعضهم وبعض، سواء أكان بتمتع الإدارة بامتيازات صلاحيات لا يتمتع بها الأفراد، أم بمنح المتعاقد صلاحيات استثنائية.
لقد قامت المملكة العربية السعودية بتطوير مرفق القضاء وتحديث أنظمته والتأكيد على استقلالية القضاء ولرد المظالم، لذلك قامت المملكة بإنشاء ديوان المظالم لذي يعد هيئة قضاء إداري مستقلة ولهذا أصدرت نظام ديوان المظالم الجديد، بموجب المرسوم الملكي رقم (م/ 78) بتاريخ 19/9/1428 هـ، ونصت في المادة الأولى منه على “ديوان المظالم هيئة قضاء إداري مستقلة، يرتبط مباشرة بالملك، ويكون مقرة مدينة الرياض”.
ويتمتع قضاء الديوان وقضاته بالضمانات المنصوص عليها في نظام القضاء، ويلتزمون بالواجبات المنصوص عليها فيه. وأصدر نظام المرافعات أمام ديوان المظالم بموجب المرسوم الملكي رقماً (م/ 3) بتاريخ 22/1/1435ه، وبذلك يكون النظام القضائي هو النظام المزدوج حيث القضاء العادي يختص بنظر المنازعات الناشئة بين الأفراد والقضاء الإداري يختص بنظر المنازعات التي تكون الدولة طرفاً فيها بوصفها سلطة ذات سيادة، إذن فإن ديوان المظالم يكون له الاختصاص القضائي الكامل بأي منازعات تنشأ عن العقود الإدارية.
ثانياً:- خصائص العقد الإداري .
يتميز العقد الإداري بمجموعة من الخصائص التي تميزه كالتالي:-
أحد طرفي العقد شخص من أشخاص القانون العام
يعد هذا العنصر من بديهيات العقد الإداري فلا بد أن تكون الإدارة أحد طرفي العقد؛ لأنه لا يجوز أن يوصف العقد بأنه عقد إداري ولا يوجد جهة إدارية في عناصره؛ “فالعقد الذي لا يكون أحد أطرافه من أشخاص القانون العام، لا يجوز اعتباره عقداً إدارياً أبداً.
نتيجة لهذا الشرط؛ فإن العقود التي يكون أطرافها من أشخاص القانون الخاص مثل الأفراد والشركات والمؤسسات الخاصة، فإنها لا تكتسب صفة العقود الإدارية حتى ولو كان العقد يتعلق بإدارة مرفق عام أو أحد طرفيه عبارة عن هيئة خاصة تخضع لرقابة جهة إدارية في الدولة، ومع ذلك فإنه يستثنى من تلك الحالة أنه يجوز أن يصبح العقد إدارياً إذا كان العقد المبرم بين شخصين من أشخاص القانون الخاص “في حال كان أحد طرفي العقد قد أبرمه ليس لحسابه الخاص وإنما لحساب شخص معنوي عام، في هذه الحالة يعد العقد إدارياً؛ لأن المتعاقد الخاص عن العقد يعد وكيلاً عن الشخص العام وأن العقد في النهاية سيرتب آثاره في ذمة الشخص العام وليس الشخص الخاص.
تعلق العقد بإدارة مرفق عام
لا بد أن يكون موضوع العقد الإداري يتعلق بإدارة مرفق عام؛ وهذا لأن ضروريات المرافق العامة يجب أن تسير بانتظام ، فالمرفق العام يجب أن يتصل بالعقد الإداري كنشاط تتولى الإدارة إدارته ويستهدف تحقيق النفع العام مباشرة، “ويعد اتصال العقد الإداري بالمرفق العام بتنظيم المرفق واستغلاله وتسييره وإداراته.
يوجد في العقد شروط استثنائية غير موجودة في عقود القانون الخاص
الدولة هي إحدى أطراف العقد الإداري ومع ذلك يجوز لها التعاقد بأساليب القانون الخاص وهذا بحكم التطور الزمني للعقود الإدارية.
ثالثاً:- أنواع العقود الإدارية.
1. عقد الوظيفة العامة
تعد عقود التوظيف -وهي العقود التي تتعلق بأنظمة العمل المرتبطة بجهة الإدارة- من العقود الإدارية، وينقسم عقد الوظيفة العامة إلى :
- عقود توظيف غير السعوديين والذين تنطبق عليهم اللائحة الخاصة بتوظيف غير السعوديين في الوظائف العامة عام 1398ه، واللائحة لا تنطبق على الأجانب الذين يعينون في وظائف عسكرية ولا الأجانب الذين يعينون وفقاً لنظام العمل، وبالإضافة للأجانب العاملين في السفارات والممثليات التعليمية السعودية في الخارج.
- عقود توظيف السعوديين، وتشمل تلك عقود العمل المؤقت وعقود التعاقد مع المتعاقدين بحيث يجوز التعاقد مع شاغلي الوظائف بعد بلوغ سن الخامسة والستين وفقًا لأحكام قرارات مجلس الوزراء.”
2. عقود استغلال الثروات الطبيعية
تنقسم عقود استغلال الثروات الطبيعية وهي العقود التي تهدف إلى استخدام الثروات الموجودة وتنقسم إلى:
- نظام التعدين، ينص النظام على ملكية الدولة لجميع الرواسب الطبيعية للمعادن بما فيها البترول، وأن الأحكام الخاصة بالحقوق التعدينية التي تمنح للأفراد والأشخاص الاعتبارية والتي تتمثل في تصاريح الاستطلاع ورخص الكشف وامتيازات التعدين التي تجعل لحاملها الحق الانفرادي في الإنتاج والاستثمار للمعادن الموجودة في منطقة الامتياز وما يتفرع عنها من جميع الأعمال التي ترتبط بعملية الاستثمار، وأنه يجوز منح امتياز مستقل عن امتياز التعدين وغير مرتبط به لبناء وتشغيل معامل التكرير وغيرها من المرافق لنقل المعادن، فجميع تلك العقود تعد عقود إدارية؛ لأن مانحها هو سلطة عامة.
- الاتفاقيات البترولية والتي تحتوي على عقود الامتياز البترولية وعقود المشاركة:
- عقود الامتياز البترولية؛ تتعلق تلك العقود بإدارة مرفق عام حتى ولو بطريقة غير مباشرة، بحيث تلجأ الإدارة إلى استخدام أساليب القانون العام عند تعاقدها مع الشركات التي لها الحق في امتياز البترول.
- عقود المشاركة؛ تكون تلك العقود بمشاركة السلطة العامة في رأس مال المشروع وإداراته والحصول على نسبة من الأرباح باعتباره عائدًا لرأس مال المستثمر، “وتعد تلك العقود عبارة عن عقد امتياز يقتصر على المشاركة في الاعمال.
3. عقود الأشغال العامة
المقصود بتلك العقود بأنها عقد مقاولة بين شخص من أشخاص القانون وفرد أو شركة، بحيث يتعهد المقاول بعمل من أعمال البناء والترميم أو الصيانة مقابل ثمن محدد في العقد، ويتوفر في عقد الأشغال العامة أن موضوع العقد يتعلق بعقار مثل أعمال البناء والترميم الصيانة، ولقد توسع مجلس الدولة في عقود الأشغال العامة وجعل في اختصاصها العقود التي تتعلق بصيانة الأموال والرش في الطرق العامة وعقود التوريد ونقل المواد، ويقصد من الأشغال العامة هو تحقيق نفع عام، “ويتميز هذا العقد في إن الإدارة تملك سلطة الإشراف والتوجيه على تنفيذ العقد وسلطة توجيه العمال واختيار طريقة التنفيذ ويجوز للإدارة تعديل الشروط الأصلية في العقد بما يحقق المصلحة العامة.