الطلبات المستعجلة في القضاء التجاري ضمانة لحماية الحقوق العاجلة:العدالة المتأخرة قد تتحول إلى ظلم، ولهذا كان نظام المحاكم التجارية واعيًا بأهمية الطلبات المستعجلة التي تقتضي البت السريع حمايةً للحقوق من الضياع أو التلاعب. فجاءت المواد (33-36–37) من نظام المحاكم التجارية لتضع إطارًا متكاملًا لهذه الطلبات، بدءًا من تشكيل دوائر فردية مختصة، مرورًا بمدة الفصل السريعة، وانتهاءً بتحديد أنواع الطلبات ذات الطبيعة العاجلة.
هذا التنظيم يعكس إدراك المشرع أن النزاعات التجارية لا تحتمل طول الانتظار، إذ إن تأخير الفصل قد يؤدي إلى أضرار اقتصادية جسيمة، سواء للأفراد أو للشركات أو للسوق ككل.
أولاً: الأساس النظامي للطلبات المستعجلة:
- المادة 33: أجازت للمجلس الأعلى للقضاء إنشاء دوائر فردية في المحاكم التجارية تختص بالنظر في الطلبات المستعجلة.
- المادة 34: ألزمت بإحالة الطلب المستعجل فور تقديمه والفصل فيه خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أيام عمل.
- المادة 35: حددت حالات انقضاء الحكم المستعجل، مثل عدم رفع الدعوى الأصلية خلال سبعة أيام أو زوال حالة الاستعجال.
- المادة 36: عدّدت أبرز الطلبات المستعجلة كالمنع من السفر، والحجز التحفظي، والحراسة القضائية.
- المادة 37: منحت المحكمة سلطة طلب ضمان من المدعي لتعويض المدعى عليه إذا تبين عدم أحقيته.
ثانيًا: أهمية الطلبات المستعجلة في القضاء التجاري:
1.حماية الحقوق العاجلة: تمنع ضياع الحقوق قبل صدور الحكم في الدعوى الأصلية.
2.تحصين النزاع من التلاعب: مثل منع المدين من تهريب أمواله أو مغادرة البلاد قبل سداد الالتزامات.
3.الاستجابة لطبيعة المعاملات التجارية: المعاملات التجارية سريعة ومتغيرة، لذا فإن توفير آلية عاجلة للفصل يواكب طبيعتها.
4.تعزيز الثقة بالبيئة الاستثمارية: المستثمر الأجنبي أو المحلي يطمئن إلى أن النظام يوفر حماية فورية عند الحاجة.
ثالثًا: أبرز أنواع الطلبات المستعجلة:
- المعاينة لإثبات الحالة: مثل فحص بضاعة تالفة أو معدات قبل زوال آثار التلف.
- المنع من السفر: لضمان بقاء المدعى عليه داخل المملكة حتى تسوية النزاع.
- وقف الأعمال الجديدة: إذا شرع طرف في تصرف قد يلحق ضررًا بالآخر.
- الحراسة القضائية: وضع الأموال أو الأصول محل النزاع تحت إشراف قضائي.
- الحجز التحفظي: منع التصرف بالأموال حتى الفصل في الدعوى.
- التحفظ على المستندات: لحماية الأدلة من الإخفاء أو الإتلاف.
رابعًا: الضمانات النظامية:
- لا تُفصل الدائرة المستعجلة إلا خلال ثلاثة أيام عمل، مما يضمن السرعة.
- يشترط رفع الدعوى الأصلية خلال سبعة أيام، وإلا اعتُبر الحكم المستعجل منقضيًا.
- للمحكمة سلطة طلب ضمان مالي لتعويض الطرف المتضرر إذا تبين أن الطلب غير محق.
- الطلبات المستعجلة لا تفصل في الموضوع، بل تحفظ الحقوق مؤقتًا حتى يُحسم النزاع.
خامسًا: التحديات العملية:
1.إساءة استخدام الطلبات: قد يلجأ بعض الأطراف لطلب الحجز التحفظي كوسيلة ضغط على خصومهم.
2.تقدير حالة الاستعجال: قد يختلف القضاة في تحديد ما إذا كان الطلب مستعجلًا فعلًا أم لا.
3.الضرر المحتمل للمدعى عليه: مثل منعه من السفر دون مبرر قوي، وهو ما يستدعي دقة في إصدار الأوامر.
4.إشكالية الضمان المالي: رغم أنه يحمي المدعى عليه، إلا أنه قد يشكل عبئًا على المدعي الجاد.
سادسًا: المقارنة مع الأنظمة الدولية:
- في فرنسا: توجد آلية “القاضي المستعجل” (Juge des référés) للفصل الفوري في النزاعات التجارية.
- في إنجلترا: تصدر المحاكم أوامر وقتية (Injunctions) لوقف التصرفات الضارة.
- في السعودية: ما يميز النظام هو تحديد مدد قصيرة جدًا للفصل وضمانات واضحة كاشتراط رفع الدعوى الأصلية.
سابعًا: أمثلة تطبيقية:
- شركة مقاولات تقدمت بطلب عاجل لإيقاف أعمال هدم في مشروع مشترك لحين حسم النزاع، فاستجابت المحكمة خلال ثلاثة أيام.
- مستثمر أجنبي طلب الحجز التحفظي على أموال شريكه الذي حاول تهريب الأصول خارج المملكة.
- دعوى تجارية تضمنت التحفظ على مستندات محاسبية لدى أحد الشركاء لحين البت في الدعوى.
ثامنًا: مقترحات لتعزيز الفاعلية:
1.وضع معايير دقيقة لحالات الاستعجال لتوحيد الاجتهاد القضائي.
2.تفعيل الرقمنة في الطلبات المستعجلة لتمكين تقديمها عبر المنصات الإلكترونية على مدار الساعة.
3.تعزيز التدريب القضائي للقضاة في تقدير الضرر المحتمل والبت السريع.
4.توفير بدائل ضمان مرنة كالكفالات البنكية بدلًا من الإيداع النقدي لتخفيف العبء على المدعين.