الحيازة في نظام المخدرات والقصد الجنائي في التكييف القانوني:
الحيازة في قضايا المخدرات بين المفهوم القانوني والواقعي:
تُعد جريمة الحيازة في قضايا المخدرات من أكثر الأوصاف القانونية دقةً وحساسية في النظام السعودي، لأنها تمثل الحد الفاصل بين التعاطي والترويج والتهريب.
فالحيازة لا تقتصر على وجود المادة في حيازة الشخص ماديًا، بل تشمل كل حالة يكون فيها على علم بوجود المادة المخدرة وباستطاعته السيطرة عليها ماديًا أو معنويًا، كأن تكون في مركبته أو منزله أو في مكان تحت تصرفه.
القصد الجنائي وأهميته في تحديد نوع الجريمة:
القصد الجنائي هو الركن الأساسي الذي يميز بين الحيازة بقصد التعاطي والحيازة بقصد الترويج أو التهريب، فالنظام لا يجرّم مجرد الحيازة المادية إلا إذا اقترنت بنية غير مشروعة، ويُستدل على القصد من خلال قرائن متعددة مثل: كمية المادة وطريقة الإخفاء وأدوات التغليف وسلوك المتهم؛ ولهذا فإن إثبات القصد الجنائي يعد من أهم عناصر تكوين القناعة القضائية.
رؤية القضاء السعودي في التفرقة بين الحيازة المادية والمعنوية:
القضاء في المملكة يفرق بدقة بين الحيازة المادية التي تتمثل في السيطرة الفعلية على المخدر، والحيازة المعنوية التي تقوم على العلم بوجود المادة مع الرغبة في امتلاكها أو استعمالها، فإذا ثبت أن الحيازة تمت دون علم أو إرادة — كما في حالات وجود المادة داخل مركبة مشتركة أو مكان عام — فلا تقوم الجريمة لانتفاء القصد الجنائي، وهذا ما أكدته المحكمة العليا السعودية في عدد من المبادئ القضائية الحديثة.
مسؤولية الدفاع في قضايا الحيازة:
يُعتبر المحامي ركيزة أساسية في توضيح الفرق بين القصد والحيازة، إذ يجب عليه أن يثبت للمحكمة أن موكله لم يقصد التعامل بالمخدرات أو ترويجها، بل كانت الحيازة عرضية أو بدون علم، كما يستند الدفاع إلى نصوص نظام الإجراءات الجزائية التي تشدد على أن الشك يُفسر لصالح المتهم، وأن الأحكام يجب أن تُبنى على الجزم واليقين لا على الظن.
الحيازة بقصد التعاطي مقابل الحيازة بقصد الترويج:
إذا كانت الكمية المضبوطة محدودة وتتناسب مع الاستخدام الشخصي، ولم توجد قرائن تدل على نية البيع أو النشر، فإن الفعل يُكيف على أنه تعاطٍ لا ترويج.
أما إذا وُجدت أدوات تعبئة أو مبالغ مالية أو اتصالات تجارية، فحينها يُعتبر المتهم مروجًا. هذه التفرقة ليست شكلية، بل تعكس جوهر العدالة في نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية الذي يقوم على مبدأ التدرج في المسؤولية والعقوبة.
أهمية الحيازة في تحقيق العدالة الجنائية:
التمييز بين صور الحيازة ليس مجرد تحليل نظري، بل ضمانة جوهرية للعدالة. فالتوسع في تفسير الحيازة قد يؤدي إلى ظلم الأبرياء، بينما التضييق المفرط قد يُفلت المجرمين الحقيقيين؛ لذلك فإن التوازن في تطبيق النصوص هو ما يجعل النظام السعودي نموذجًا للعدالة المتوازنة بين حماية المجتمع وصون حقوق الأفراد.
خاتمة: القصد الجنائي كمرتكز للعدالة:
الحيازة في قضايا المخدرات لا تُفهم بمعزل عن النية، فالنية هي ما يجعل الفعل جريمة أو مجرد خطأ بريء؛ ومن هنا فإن نجاح المحامي والقاضي في تحديد القصد الجنائي هو الذي يضمن تحقيق العدالة الجنائية المنصفة التي تراعي النص وتفهم الواقع معًا، وهو ما يعكس نضج التشريع السعودي في هذا المجال.


