الحماية من الدعاوى الكيدية في نظام المحاكم التجارية ، الدعوى القضائية وسيلة مشروعة لحماية الحقوق، لكنها قد تتحول في بعض الحالات إلى أداة للإضرار بالآخرين عبر الدعاوى الكيدية التي تستهلك وقت القضاء وتستنزف موارد المتقاضين. وإدراكًا لخطورة هذه الظاهرة على البيئة التجارية والاستثمارية، تضمّن نظام المحاكم التجارية نصوصًا واضحة لمعالجة الدعاوى الكيدية والحد منها، في توازن بين حماية حق التقاضي ومنع إساءة استعماله.
بهذا التوجه، يسعى النظام إلى تعزيز عدالة فعّالة تحمي الحقوق المشروعة، وتردع من يحاول استغلال القضاء لأغراض غير نزيهة.
أولًا: الأساس النظامي لمكافحة الدعاوى الكيدية:
- نصت المواد ( 93) من نظام المحاكم التجارية والمادة (3) من نظام المرافعات الشرعية على آليات صريحة لمعالجة الدعاوى الكيدية.
- أجازت للمحكمة أن تحكم على من يثبت كيده أو سوء نيته بـ التعويض المناسب للطرف المتضرر.
- منحت القاضي سلطة تقدير ما إذا كانت الدعوى كيدية أو لا، بناءً على المعطيات.
- أكدت أن الحماية من الكيد لا تعني حرمان الأفراد من حقهم المشروع في التقاضي.
ثانيًا: صور الدعاوى الكيدية في القضايا التجارية:
1.رفع دعوى بلا أساس نظامي أو شرعي بهدف إطالة أمد النزاع.
2.تعدد الدعاوى في ذات الموضوع لتعطيل تنفيذ الحكم الأصلي.
3.استخدام الدعوى للابتزاز التجاري بالضغط على المنافس أو الشريك.
4.الطعن المتكرر بلا مبرر رغم وضوح الحكم وقطعيته.
ثالثًا: آثار الدعاوى الكيدية على البيئة التجارية:
1.تعطيل سير العدالة وإشغال المحاكم بقضايا غير جادة.
2.استنزاف الموارد المالية للشركات والأفراد في الدفاع عن أنفسهم.
3.الإضرار بسمعة الشركات عبر دعاوى لا أساس لها.
4.إضعاف الثقة الاستثمارية إذا شعر المستثمر أن النظام يسمح باستغلال القضاء للإضرار.
رابعًا: أهمية الحماية من الدعاوى الكيدية:
1.صون هيبة القضاء من الاستغلال غير المشروع.
2.تشجيع الاستثمار عبر توفير بيئة قضائية نزيهة وسريعة.
3.حماية المتقاضين الجادين من ابتزاز خصومهم.
4.تعزيز الردع العام لكل من يفكر في استخدام القضاء كأداة ضغط.
خامسًا: التحديات العملية:
1.إثبات الكيد: أحيانًا يصعب على المحكمة التمييز بين الدعوى الجادة والدعوى الكيدية.
2.الطابع الذاتي للتقدير: قد تختلف وجهات نظر القضاة في توصيف الدعوى.
3.الخوف من تضييق حق التقاضي: النظام حريص على ألا يؤدي الردع إلى منع الناس من رفع دعاوى مشروعة.
4.ضعف وعي بعض الأطراف بحقوقهم في طلب التعويض عن الدعوى الكيدية.
سادسًا: المقارنة مع الأنظمة الدولية:
- في الولايات المتحدة: تُفرض عقوبات مالية على الطرف الذي يرفع دعوى عبثية (Frivolous Litigation).
- في فرنسا: يُلزم الطرف الكيدي بدفع تعويضات للطرف الآخر عن الأضرار.
- في السعودية: الميزة أن النظام جمع بين الردع (التعويض) والحماية (إبقاء باب التقاضي مفتوحًا).
سابعًا: أمثلة تطبيقية:
1.شريك رفع دعوى لإلغاء عقد صحيح دون أي سند، فقضت المحكمة برد الدعوى وإلزامه بتعويض.
2.منافس تجاري قدّم دعوى متكررة لإيقاف نشاط منافسه، فقضت المحكمة بكيدية دعواه.
3.مدعى عليه دفع بعدم الجدية وأثبت للمحكمة أن الدعوى رُفعت بقصد الضغط والابتزاز، فحكم له بالتعويض.
ثامنًا: مقترحات لتعزيز الحماية:
1.تحديد معايير دقيقة لتوصيف الدعوى الكيدية في اللائحة التنفيذية.
2.فرض غرامات مالية تصاعدية على من يكرر رفع دعاوى كيدية.
3.تعويض الطرف المتضرر تلقائيًا دون الحاجة لرفع دعوى مستقلة.
4.نشر إحصاءات سنوية عن القضايا الكيدية لردع الآخرين.
5.توعية التجار بحقوقهم في طلب التعويض عن الدعاوى الكيدية.