التعسف في استعمال الحق
لا يمكن اعتبار نظرية التعسف في استعمال الحق من النظريات الحديثة ،بل هي من النظرية منذ القدم وترجع جذورها إلى القانون الروماني .ثم انتقلت منه إلى القانون الفرنسي القديم الذي اعتبر أن الشخص يكون متعسفا في استعمال حقه في حالة اذا ما قصد الاضرار بغيره .
كما عرف الفقه الإسلامي هذه النظرية وأسهم وافر في صياغتها كنظرية عامة تهدف بالأساس إلى تحقيق التوازن بين المصالح الفردية المشروعة في أصلها والمعارضة فيما بينهما ومن باب أولى بينها وبين المصلحة العامة للمجتمع وهي تستند في ذلك إلى الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تنهى عن إلحاق الضرر بالغير كقوله تعالى في سورة النساء الآية (12) ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ)وقوله جل وعلا في سورة البقرة الآية (231)( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا) ووجه الدلالة في هذه الآية جواز ممارسة الزوج حقه المشروع في الطلاق والعودة في الإمساك غير أن الإمساك بقصد الإضرار أمر غير مشروع لأنه تعسف في استعمال حق في غير ما شرع له . ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم:(لا ضرار ولا ضرار) فإن نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي تستند في الواقع العملي من فقه الصحابة رضي اللّه عنهم وفتاواهم واجتهادات الائمة المجتهدين من بعدهم.
تعريف الحق :
لقد تعددت الاتجاهات الفقهية في تعريف الحق ومن بين هذه الاتجاهات المذهب الشخصي والمذهب الموضوعي والمذهب المتفق الذي يجمع بينهم .
١)إن المذهب الشخصي ينظر إلى الحق من خلال صاحبه، فيعرفه بأنه القدرة أو السلطة الإدارية التي يمنحها القانون لشخص من الأشخاص في نطاق معين وهذا الاتجاه يتصل بمبدأ سلطان الإرادة ،وقد تعرض لانتقادات عديدة.
٢)ولكن المذهب الموضوعي الذي يدعمه المؤرخ الألماني إهرنج حيث ينظر إلى الحق من خلال موضوعه والغرض منه فعرف الحق بأنه مصلحة يحميها القانون .
٣)الاتجاه الذي يجمع بينهم فهو يجمع بين فكرة الإرادة والمصلحة .
وقد عرف القانونيين الحق :
عرفه سافيني ومن معه بأنه قدرة إرادية تجعل لصاحبها سلطانا على أعمال الغير .
وقد عرفه المؤرخ إهرنج بأن الحق مصلحة مشروعة يحميها القانون .
ويرى فريق آخر ومعهم دابان إن الحق استئثار وتسلط ومعنى الاستئثار اختصاص شخص بشيْ أو بقيمة ما ومعنى التسلط سلطة التصرف في الشيء أو القيمة موضوع الحق
وهنا آخرين من القانونيين ينكرون فكرة الحق ويستبدلون بها فكرة المركز القانوني .
والراجح :في تعريف الحق
أنه سلطة يمنحها القانون لشخص يستأثر بها عن غيره ،تحقيقا لمصلحة مشروعة يقرها القانون مثل مالو كنت مالكا لسيارة أو مواشي أو لعمارة فلك حق الملكية على هذه الأشياء وهذا الحق يعطيك سلطة تستأثر بها على الشيء المملوك عن غيرك من الناس فيكون من حقك وحدك أن تتصرف فيه وأن تستغله وان تستعمله وهذه السلطة يمنحها القانون للشخص الذي يستوفي شروط الواقعة مصدر الحق وفي حالة عدم منح القانون للشخص هذه السلطة فلا يكون صاحب حق مثل مالو وضع شخص يده على قطعة أرض بناء على عقد توافرت فيه الشروط الموضوعية والشكلية فإن القانون يعتبره صاحب حق ملكية عليها وحينما يمنحه هذه السلطة فإنه يستأثر بها دون غيره من الناس تحقيقا لمصلحة مشروعة يقرها القانون حيث له وحده حق التصرف فيها ،وحق استعمالها، و استقلالها في حدود القانون .
انواع الحقوق :
جرى الفقهاء على تقسيم الحقوق إلى أقسام وانواع متعددة
ولكن تنقسم بدورها إلى قسمين ،او تتنوع إلى نوعين :
١)حقوق عامة
٢)حقوق خاصة
الحقوق العامة :ماهي إلا مجموعة القيم التي تكون شخصية الإنسان وكلما تقدم المجتمع كلما زادت القيم التي يعترف بها القانون احتراما لشخصية الإنسان .
وتعرف الحقوق العامة المتعلقة بالكيان المادي للإنسان مثل الحق في الحياة والحق في سلامة بدنه أو جسمه .
ومنها كذلك الحقوق المتعلقة بالكيان الأدبي أو المعنوي للشخص مثل الحق في الشرف والسمعة بمعني أن يحترم سمعته واعتباره فلا يجوز لإنسان أن يقوم بخدشه والا عوقب جزائيا أو مدنياً عليه .كذلك الحق في السرية بان تظل اسرار حياته بعيدة عن العلانية واستطلاع الغير الحق في التنقل وفي الزواج والعمل والتعليم والعلاج وحرية التعاقد وحرمة المسكن .فنجد أن الحقوق الملازمة لصفة الإنسان خارجة عن دائرة التعامل وغير قابلة التقادم المكسب أو المسقط ولا تنتقل إلى الورثة وان الاعتداء عليها يؤدي إلى نشوء حق مالي في التعويض .
الحقوق الخاصة :
تعرف بكونها حقوق الاسرة، وحقوق المالية ،والحقوق المعنوية
حقوق الأسرة مثل النسب أو مصاهرة أو قرابة رضاع مثل حق الزوج في طاعة زوجته له وحق الزوجة على زوجها في أن يحسن معاملتها وحق الاب في تأديب أولاده ويقابله واجب الأولاد في طاعة أبيهم والإحسان إليه وحق الام في حضانة أولادها الصغار والحق في الإرث والحق في النفقة ومنها أيضا ولاية الاب أو الجد الحقوق المالية وتقسم إلى حقوق شخصية وعينية ومعنوية .
تعريف الحق الشخصي هو رابطة بين شخصين دائن ومدين بمقتضاها يكون للدائن أن يطالب المدين بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل ومن الحقوق الشخصية الالتزام بإعطاء التزام بعمل التزام لامتناع عن عمل الحق العيني فإن التعريف السائد في الفقرة بشأنها هو أن يخول صاحبه سلطات قانونية مباشرة على شيء مادي وهي تنقسم بداخلها إلى حقوق عينية اصلية وحقوق بالتبعية مثل حق الملكية وحق الانتفاع وحق الارتفاق وحق الاستعمال وحق الحكر وحق الاستعمال وحق السكنى وحق التصرف والحق العينية التبعية عبارة عن سلطة مقررة لدائن على شيء مملوك لغيره بمقتضاها يكون له استيفاء حقه من ثمن هذا الشيء بناله من حق التتبع والافضلية على جميع الدائنين مثل الرهن وحق الاختصاص وحق الامتياز .
التعسف في استعمال الحق :
أن نظرية إساءة استعمال الحق مردها قواعد المسئولية لا قواعد العدل والانصاف أن القول بإساءة الموظف استعمال حقه يقتضي قيام الدليل على إنه انحرف في أعمال وظيفته عن مقتضى الواجب المفروض عليه وأنه لم يتصرف التصرف الذي اتخذه الا بقصد الأضرار لأغراض نابية عن المصلحة العامة انتفى هذا القصد فإن مناط المسئولية عن تعويض الضرر هو وقوع خطأ وأنه خطأ في استعمال الحق في جلب المنفعة المشروعة .
لذلك نجد أن الإنسان إذا كان له حق فيجب أن يستعمل حقه استعمالا مشروع لا يكون مسئول عما ينشأ عن ذلك من ضرر فنجد أن الاستعمال المشروع لا يفقد الحقوق قيمتها الاجتماعية مادام أصحاب الحقوق لم يتجاوز استعمال حقوقهم في نطاق المشروعية ،والحد الفاصل بين المشروعية وعدم المشروعية إذا لم يقصد بها سوى الإضرار بالغير أو إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البته مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها أو إذا كانت المصالح التي يرمى إلى تحقيقها غير مشروعة .
لذلك نجد المعيار هنا اولا قصد الأضرار بالغير ويعتبر من أقدم معايير التعسف في استعمال الحق وأكثرها انتشاراً وهو استعمال الفرد لحقوقه من النكاية والأضرار بالغير مثل مالو قام المالك بغرس أشجار عالية كثيفة في أرضه ولم يقصد منها إلا أن تحجب الضوء عن جاره فيعتبر تعسفا من المالك في استعمال لحقه لأن المقصود منها هو الحق الضرر بالغير
فنجد إذا استعمل الشخص حقه لتحقيق مصلحة ولكنها كانت قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البته مع ما يصيب الغير من ضرر مثل المالك الذي يطلب هدم بناء جاره لأن الجار قد تجاوز بحسن نية حدود ملكه بمسافة قدرها نصف متر فنجد أن ذلك يترتب عليه الحاق ضرر كبير لصاحب البناء مع قلة أهمية المصلحة حيث يستطيع المطالبة بالتعويض عن تلك المسافة.
ونجد أيضا عدم المشروعية إذا استعمل حقه لتحقيق غرض غير مشروع مثل رب العمل الذي يستعمل حقه بفصل العامل لمجرد أنه التحق بالكلية .
إثبات التعسف في استعمال الحق :
يقع عبء إثبات التعسف في استعمال الحق على الشخص المدعي وجوده بأن صاحب الحق قد انحرف أثناء استعماله لحقه ويستطيع الإثبات بكافة طرق الاثبات.
جزاء التعسف في استعمال الحق
إن استعمال الحق استعمالا مشروعاً لا يرتب جزاء ولا يكون مسؤولا عما ينشأ عن ذلك من ضرر بعكس مالو استعمله استعمال غير مشروع فإنه يكون مسؤول عن الضرر الذي نشأ بسب ذلك .
فنجد أيضا أن فكرة التعسف ترتبط بفكرة الحق وما يمثله من قيمة معينة اجتماعيا يحميها القانون وهذا يقتضى إخضاع استعمال هذا الحق لرقابة القضاء لضمان عدم التعسف والانحراف عن غايته وفكرة التعسف تعتبر فكرة ملازمة ومكملة لفكرة الحق ولها كيانها الخاص أن الدور الصحيح لنظرية التعسف في استعمال الحق أن يأخذ بعين الاعتبار أن الحق ليس غاية في ذاته ولكنه مجرد وسيلة لتحقيق غاية معينة.
وقد نص نظام المعاملات المدنية عن الحق وأنواع الحقوق والتعسف في إستعمال الحق:
حيث نص في الفصل الرابع: أنواع الحق:
المادة الخامسة والعشرون
يكون الحقُّ الماليُّ شخصيًّا أو عينيًّا.
المادة السادسة والعشرون
يكون الحقُّ العينيُّ أصليًّا أو تبعيًّا.
الحقوق العينية الأصلية هي حق الملكية، وحق الانتفاع، وحق الاستعمال، وحق السكنى، وحق الارتفاق، وحق الوقف، وما يعد كذلك بموجب النصوص النظامية.
الحقوق العينية التبعية هي حق الرهن، وحق الامتياز، وما يعد كذلك بموجب النصوص النظامية.
المادة السابعة والعشرون
تسري على الحقوق التي ترد على شيءٍ غير مادي النصوص النظامية الخاصة بها.
الفصل الخامس: استعمال الحق:
المادة الثامنة والعشرون
من استعمل حقه استعمالًا مشروعًا لا يكون مسؤولًا عما ينشأ عن ذلك من ضرر.
ونص في المادة التاسعة والعشرون عن التعسف في استعمال الحق ::
لا يجوز التعسف في استعمال الحق.
يكون استعمال الحق تعسفيًّا في الحالات الآتية:
أ- إذا لم يقصد بالاستعمال سوى الإضرار بالغير.
ب- إذا كانت المنفعة من استعماله لا تتناسب مطلقًا مع ما يسببه للغير من ضرر.
ج- إذا كان استعماله في غير ما شُرع له أو لغاية غير مشروعة.