التصادم البحري بين السفن في النظام السعودي
التصادم بين السفن يُعد من أخطر الحوادث البحرية وأكثرها تعقيدًا من الناحية القانونية، حيث تتداخل فيه قواعد المسؤولية المدنية والتجارية والبيئية، ويترتب عليه أضرار كبيرة قد تصيب الأرواح والممتلكات وتهدد حركة الملاحة. وقد نظم النظام البحري السعودي التصادم كواقعة قانونية تتطلب إثباتًا فنيًا، ومسؤولية محددة، وتعويضًا عادلًا للمتضررين، وذلك بما ينسجم مع المعايير الدولية وعلى رأسها اتفاقية بروكسل لعام 1910.
أولًا: مفهوم التصادم البحري
يُقصد بالتصادم البحري:
“الاحتكاك أو الاصطدام الفعلي بين سفينتين أو أكثر أثناء الإبحار أو الرسو، سواء أوقع ضررًا ماديًا أو بشريًا، أم لا.”
ويُفرق النظام بين:
- تصادم بسبب خطأ (إهمال، مخالفة تعليمات).
- تصادم نتيجة قوة قاهرة (ضباب، إعصار، عطل فني غير متوقع).
- تصادم مشترك (تقصير من أكثر من طرف).
ثانيًا: المسؤولية في حال التصادم
يتحدد الطرف المسؤول بناءً على التحقيق البحري، الذي يتم من خلال:
- تقارير القبطان.
- جهاز تسجيل الرحلة .
- إفادات الطاقم أو شهود العيان.
- تحليل الرادارات والمراسلات اللاسلكية.
ويُشترط لقيام المسؤولية:
- وجود خطأ مادي أو تقني.
- علاقة سببية مباشرة بين الفعل والضرر.
- وقوع ضرر يمكن إثباته.
وفي حالة التصادم الناتج عن خطأ مشترك، تُوزع المسؤولية بين السفن بحسب نسبة الخطأ، وإذا تعذّر تحديد النسبة، تُقسم المسؤولية بالتساوي.
ثالثًا: التعويض عن الأضرار
يحق للطرف المتضرر المطالبة بالتعويض عن:
- خسائر الهيكل.
- تلف أو فقدان الشحن.
- الأضرار البيئية.
- الإصابات أو الوفاة.
- الأضرار المعنوية أو التأخير التجاري.
ويشترط النظام السعودي لرفع دعوى التعويض:
- أن تُقام الدعوى خلال سنتين من تاريخ الحادث.
- أن تُثبت الأضرار بالوسائل الفنية المعتمدة.
رابعًا: التحكيم والاختصاص القضائي
في حال وجود اتفاق تحكيم بحري (ضمن عقد النقل أو عقد التأمين)، يجوز للطرفين اللجوء إلى التحكيم البحري الدولي (مثل LMAA أو ICC).
أما في حال عدم وجود شرط تحكيم، تُرفع الدعوى أمام المحكمة التجارية المختصة في ميناء الرسو أو مكان حدوث التصادم.
خامسًا: العلاقة مع الاتفاقيات الدولية
تستند المحاكم السعودية في تنظيم التصادم إلى:
- اتفاقية بروكسل 1910 بشأن التصادم البحري.
- اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
- مدونة السلوك البحري الدولية الخاصة بقواعد تجنب التصادم.
وتُعد هذه الاتفاقيات مكملة للأنظمة السعودية، خصوصًا في حالة السفن الأجنبية أو التصادم خارج المياه الإقليمية.
قضية التصادم البحري تتطلب معالجة قانونية دقيقة، تبدأ بإثبات الخطأ وتنتهي بحساب التعويض العادل، وتخضع لقواعد إجرائية صارمة لحماية الحقوق وضمان سلامة الملاحة. ويُوصى دائمًا بتحديث خطط الطوارئ على متن السفن، وتسجيل كل وقائع الرحلة بدقة، لتجنب النزاعات القانونية المعقدة.