قضايا الأخطاء الطبية، للإنسان في الحياة حقوق لا يمكن التنازل عنها ومن أهمها حقه في سلامة بدنه حيث إن المعافاة في الجسد من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية، فمن خير الدنيا والآخرة هو صلاح الدين وصلاح البدن، ولقد قال الأمام الشافعي -رحمه الله- “صنفان لا غنى للناس عنهما، العلماء لأديانهم، والأطباء لأبدانهم” إذن فمهنة الطب من أعظم المهن لأنها تهدف إلى خدمة الإنسان والإنسانية والتخفيف من الألم والأوجاع، ولكن قد يحدث ويقوم الطبيب بإرتكاب خطأ طبي كإستئصال عضو من أعضاء المريض أو إعطائه جرعة خاطئة من الدواء تؤثر على صحته أو أي خطأ آخر يعرض حياة المريض للخطر، والطبيب بشر معرض للخطأ والصواب، ولهذا كان لابد للقانون أن يتدخل ويحدد الطبيعة القانونية لخطأ الطبيب هل هو خطأ مقصود أو غير مقصود أم إهمال؟
أستقر الفقه القانوني على أن إلتزام الطبيب تجاه المريض هو إلتزام ببذل عناية وليس بتحقيق نتيجة ولهذا إذا قصر الطبيب في بذل العناية المطلوبة منه أو أخطأ ولو دون قصد أو أهمل مريضه فإنه لا بد من مساءلته عن الخطأ الطبي، ولأن المملكة العربية السعودية تعمل على سن القوانين التي تحافظ على سلامة الإنسان وحمايته، قامت بسن “نظام مزاولة المهن الصحية” الذي صدر بالمرسوم الملكي رقم (م/ 59) بتاريخ 4/11/1426 هجرياً.
القسم الأول:- الأخطاء الطبية
إن خروج الطبيب أو مخالفته للقواعد والأصول الطبية وقت تنفيذه العمل الطبي وحصول ضرر للمريض من جراء ذلك المسلك هو الأساس الذي يترتب نشوء الإهمال الطبي وهذا لأن الطبيب ملزم ضمن اللوائح والتشريعات الطبية التي تنظم مهنة الطب حيث يتبع الأساليب والوسائل التشخيصية والعلاجية التي تقوم على الأصول العلمية والقواعد الطبية المتعارف عليها في الأوساط الطبية، ولقد نصت المادة(5) من نظام مزاولة المهن الصحية على ” يزاول الممارس الصحي مهنته لمصلحة الفرد والمجتمع في نطاق إحترام حق الإنسان في الحياة وسلامته وكرامته، مراعيًا في عمله العادات والتقاليد السائدة في المملكة مبتعدًا عن الاستغلال”
يمكن تعريف الخطأ الطبي بأنه “الفعل الضار الذى يرتكبه الطبيب أو من في حكمه أثناء مزاولته لمهنته” ولقد عرفته المادة (27) من نظام مزاولة المهن الصحية “الذي صدر بالمرسوم الملكي رقم (م/ 59) بتاريخ 4/11/1426 هجرياً بإنه” كل خطأ مهني صحي صدر من الممارس الصحي وترتب عليه ضرر للمريض يلتزم من أرتكبه بالتعويض، وتحدد (الهيئة الصحية الشرعية) المنصوص عليها في هذا النظام مقدار هذا التعويض……. ”
ولقد حددت ذات المادة أنواع الأخطاء الطبية حيث نصت على “… ويعد من قبيل الخطأ المهني الصحي ما يأتي –
- الخطأ في العلاج، أو نقص المتابعة
- الجهل بأمور فنية يفترض فيمن كان في مثل تخصصه الإلمام بها.
- إجراء العمليات الجراحية التجريبية وغير المسبوقة على الإنسان بالمخالفة للقواعد المنظمة لذلك.
- إجراء التجارب أو البحوث العلمية غير المعتمدة على المريض.
- إعطاء دواء للمريض على سبيل الإختبار.
- إستخدام آلات أو أجهزة طبية دون علم كافٍ بطريقة استعمالها، أو دون إتخاذ الاحتياطات الكفيلة بمنع حدوث ضرر من جراء هذا الاستعمال.
- التقصير في الرقابة والإشراف.
- عدم استشارة من تستدعي حالة المريض الاستعانة به.
ويقع باطلًا كل شرط يتضمن تحديد أو إعفاء الممارس الصحي من المسؤولية “
القسم الثاني:- المسؤولية المدنية للطبيب
المسؤولية هي تحمل الفرد لنتائج أفعاله، والمسئولية المدنية هي أهلية الإنسان لتحمل التعويض المترتب على الضرر الذي ألحقه بالغير نتيجة لإخلاله بالإلتزام القانوني أو العقدي، والمقصود بالمسؤولية المدنية للطبيب طبقاً للائحة التنفيذية للنظام بأنها “إخلال الطبيب بإلتزام يقع على عاتقه بموجب القانون (النظام)، وينتج عن هذا الإخلال ضرر لشخص آخر، وهذا الضرر يتطلب التعويض لجبره. وينشأ الإلتزام في عمل الطبيب من القوانين المنظمة لمهنة الطب، بالإضافة إلى العقد الطبي بين الطبيب والمريض، حيث يلتزم الطبيب ببذل العناية الطبية المطلوبة وتقديم العلاج اللازم للمريض. فإذا أرتكب الطبيب أي خطأ طبي ونتج عنه ضرر للمريض فيترتب على ذلك قيام المسؤولية المدنية (تقصيرية أو عقدية) على الطبيب، ويلتزم الطبيب بجبر الضرر عن طريق التعويض المادي، والتعويض يتم تحديده من قبل (الهيئة الصحية الشرعية) وهي الجهة القضائية المختصة بالنظر بالأخطاء الطبية كما سيأتي؛ مع العلم بأن الدية أو الإرش محددة بمفاهيم شرعية، أما التعويض فهذا هو المتروك لتقدير الهيئة الطبية”
إذن فإنه يقع على عاتق الطبيب المسئولية الطبية بنوعيها سواء عقدية أو تقصيرية، وما يحدد التعويض هي الهيئة الصحية الشرعية لأنها تعد الجهة القضائية المختصة للنظر في الخطاء الطبية، ولقد نصت المادة (26) من ذات النظام على “إلتزام الممارس الصحي الخاضع لهذا النظام هو إلتزام ببذل عناية يقظة تتفق مع الأصول العلمية المتعارف عليها”
القسم الثالث:- التعويض عن الأخطاء الطبية
ازدادت الأخطاء الطبية في المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة حيث في إحصائيات رسمية لوزارة الصحة السعودية أثبتت أنه يقع أكثر من (4335) خطأ سنوياً، بما يعادل (12) خطأ طبي يومياً، وأرتفعت عدد القضايا المعروضة ضد الهيئات الطبية لطلب التعويض عن الأخطاء التي تلحق بالمرضى، حيث لا بد قبل التحقيق مع الطبيب أن يرفع المتضرر دعوى ضد الطبيب للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي ألحقه به، ولقد نصت المادة (31) من ذات النظام على “مع عدم الإخلال بأحكام المسؤولية الجزائية أو المدنية، يكون الممارس الصحي محلًّا للمساءلة التأديبية إذا أخل بأحد واجباته المنصوص عليها في هذا النظام، أو خالف أصول مهنته، أو كان في تصرفه ما يعد خروجًا على مقتضيات مهنته أو آدابها”، ويتم توجيه الشكوى المرفوعة ضد الطبيب أو مساعديه إلى رئيس المرفق الصحي أو مديره الذي أرتكب الخطأ فيه، أو توجه إلى مدير الشئون الصحية بالمنطقة، ويتم توجيه عقوبات تأديبية للطبيب حيث نصت المادة (32) من ذات النظام على “العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها في حالة المخالفات المهنية هي:-
- الإنذار
- غرامة مالية لا تتجاوز عشرة آلاف ريال.
- إلغاء الترخيص بمزاولة المهنة الصحية وشطب الاسم من سجل المرخص لهم.
وفي حالة إلغاء الترخيص لا يجوز التقدم بطلب ترخيص جديد إلا بعد انقضاء سنتين على الأقل من تاريخ صدور قرار الإلغاء”
إذا أثبت المريض أو ذويه العلاقة السببية بين خطأ الطبيب والضرر الذي لحق بالمريض فإنه تنعقد مسئولية الطبيب ويعطى للمريض الحق أو ورثته في المطالبة بالدية أو الأرش والمطالبة بتكاليف العلاج:-
الدية
الدية هو مبلغ من المال يتم تحديده سلفاً، تحكم به الهيئة الصحية الشرعية على الطبيب بدفعه في حالة الخطأ الطبي، وأنه حسب نظام العمل السعودي لا يجوز الجمع بين الدية والتعويض الكامل المستحق، ونصت المادة (41) من نظام مزاولة المهن الصحية على “كون الاشتراك في التأمين التعاوني ضد الأخطاء المهنية الطبية إلزاميًّا على جميع الأطباء وأطباء الأسنان العاملين في المؤسسات الصحية العامة والخاصة. وتضمن هذه المؤسسات والمنشآت سداد التعويضات التي يصدر بها حكم نهائي على تابعيها إذا لم تتوافر تغطية تأمينية أو لم تكف، ولها حق الرجوع على المحكوم عليه فيما دفعته عنه.
ويمكن أن يشمل هذا التأمين التعاوني الإلزامي فئات أخرى من الممارسين الصحيين، وذلك بقرار من مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير الصحة”
تقدير تكاليف العلاج
إذا تم إدانة الطبيب بإلحاق الضرر المريض فإنه ملزم بدفع كآفة تكاليف علاج المريض.
القسم الرابع :- نماذج لـ قضايا الأخطاء الطبية
في حكم صادر عام 1430 هجرياً، تم رفع دعوى من المدعى على طبيب استشاري عظام تأخر في اكتشاف كسر بالرسغ الأيسر للمدعى عليه مما تسبب في حصول مضاعفات ولم يقم الطبيب بإجراء الأشعة الصحية منذ البداية وقام بالتقصير في العلاج والاعتماد على طاقم التمريض، ولم يكتشف إنفصال الكعبرة عن الساعد إلا بعد شهر من التنويم وفك الجبس، وعدم وجود إشراف مما تسبب في تعفن الجرح لعدم تغيير الجبس لمدة شهر، واعوجاج الساق اليسرى وإعاقتها بسبب إهمال الطبيب أثناء الجراحة حيث لم يقم بتثبيت عظمة الكاحل إلا متأخراً وأنه كان لا بد تثبيتها من البداية.
لقد تبين الهيئة أهمال الطبيب المدعى عليه في بذل العناية اللازمة للمريض وهذا لعدة أسباب كالآتي:-
- لم يتم الأخذ برأي إستشاري في جراحة المخ والأعصاب للتأكد من عدم وجود ما يمنع التدخل الجراحي ، وبذلك يكون خالف نص المادة(17) التي تنص على ” يجب على الممارس الصحي المعالج- إذا رأى ضرورة استشارة ممارس صحي آخر- أن ينبه المريض أو ذويه إلى ذلك، كما يجب عليه أن يوافق على الاستعانة بممارس صحي آخر إذا طلب المريض أو ذويه ذلك، وللممارس الصحي أن يقترح اسم الممارس الصحي الذي يرى ملاءمة الاستعانة به.
وإذا قدر الممارس الصحي المعالج أنه لا ضرورة إلى استشارة ممارس صحي آخر، أو اختلف معه في الرأي عند استشارته فله الحق في الاعتذار عن متابعة العلاج دون إلتزام منه بتقديم أسباب لاعتذاره” - عدم علم الطبيب بوجود الكسر لأنه لم يتم إجراء الأشعة إلا متأخراً، مما أدى إلى تشخيص الكسر متأخراً بعد خول المريض المشفى لمدة شهر.
بذلك يكون “الطبيب” إرتكب أخطاء طبية جسيمة تسببت في إضرار المريض وتمثلت في:-
- نسبة عجز (28 %) في حركة اليد اليسرى.
- حصول تيبس بمفصل الكاحل الأيمن.
- نخر بعظم الثالوث وعدم التئام الكسر، مما شكل نسبة عجز (25 %) بالطرف السفلي للساق الأيمن.
ولهذا حكمت هيئة الصحة الشرعية بإستحقاق المدعى عليه بالتعويض لما لحقه من أضرار جسدية ونسبة عجز واضحة ومعاقبة الطبيب بإلغاء الترخيص له بمزاولة المهنة الصحية وشطب أسمه من سجل المرخص لهم.
وختاماً :-
الخطأ الطبي هو مخالفة أو خروج الطبيب عن القواعد والأصول الطبية وأنه يتم التعويض عنها وفقاً للمادة (27) من نظام ممارسة المهن الصحية، وأنه يتم تقدير المسئولية المدنية للطبيب في النظام السعودي وهذا بتحقق أركانها من الخطأ الطبي والضرر وعلاقة السببية، والضرر يكون مباشر نتيجة لخطأ الطبيب ومؤكد ويمس حقاً مشروعاً كحق الحياة وسلامة الجسم، وعند انعقاد مسئولية الطبيب المدنية يلزم بالتعويض عن الأضرار الذي لحقت بالمريض ويتم تقدير التعويض على أساس نوع الخطأ وجسامته، ويتم تقدير التعويض من قبل الهيئة الصحية الشرعية وهي الجهة القضائية التي تختص بالنظر في الأخطاء الطبية، ولهذا نوصى تلك الجهة بضرورة توثيق الأخطاء الطبية في كافة المؤسسات الصحية لأجل معالجتها والكشف عن أسبابها، بحيث يتم تخصيص لجان في المستشفيات تقوم بشكل دوري ومنظم بدراسة كآفة الأخطاء الطبية وتحليلها وتقصى مصادرها، للإستفادة منها بشكل عملي.