الإثراء على حساب الغير
ظهرت فكرة الالتزام الناشئ عن الإثراء على حساب الغير أول ما ظهرت في القانون الروماني لتحقيق العدالة في حالات القروض التي كان يوجد فيها مانع يحول دون استعمال المقرض دعوى استحقاق قيمة القرض ،فمنح المقرض دعوى شخصية مجردة أي لا حاجة فيها إلى ذكر سببها يستطيع عن طريقها أن يسترد قيمة القرض وذلك باعتبار أن قابض غير المستحق ينشأ في ذمته التزام متعلق بما قبضه ،ويرجع نشوء هذه الدعوى أن القانون الروماني لم يعترف بجواز النيابة في الأعمال القانونية ،فكانت القاعدة أن العقود لا تنتج آثاره إلا في ذمة من تولوا عقدها .ثم تطورت دعوى الإثراء واستقلت حتى صارت تستعمل للمطالبة في كل حالة يكون فيها شخص أجنبي عن عقد قد أثرى من هذا العقد بإلزام هذا الشخص بالالتزامات المترتبة على هذا العقد .
ثم تحول الأمر في القانون الفرنسي وفي عصر دوماً وبفضله شخصياً تحول كبير فيما يتعلق بتكوين العقود حيث تقلص ظل الشكلية وظهرت نظرية السبب قيداً جديداً على مبدأ الرضائية ،فاعترف بأن السبب ركن جوهري في العقود وأن العقد الذي لا يكون له سبب مشروع يقع باطلاً ولا ينتج أي أثر ،وأن بطلانه يستتبع إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل العقد ،اي إلزام كل من العاقدين برد الإهداءات التي حصلها بمقتضى العقد الذي وقع باطلاً.
وخلاصة الأمر أن القضاء في فرنسا قد انتهينا إلى اعتبار الإثراء على حساب الغير مصدراً مستقلاً من مصادر الالتزام ولو أن المشرع لم ينص على هذا المصدر بصفة عامة ،ويستند إلى قاعدة العدالة لا يجوز أن يثرى أحد على حساب غيره
وفي مصر قد نص التقنين المصري على مبدأ عدم الإثراء على حساب الغير وجعل منه مصدراً عاماً للالتزامات ،وقضى على ما كان يشوب هذا المصدر من وهن وضعف ،فجعل دعوى الإثراء دعوى أصلية لا احتياطية ولم يشترط في قبولها أن يكون الإثراء باقياً وقت رفعها ولم يقصر حق المفتقر على قدر الإثراء الذي يكون باقياً للمتري في ذلك الوقت.
في الشريعة الإسلامية:
اختلف الفقه الحديث فيما يتعلق بموقف الشريعة الإسلامية من قاعدة الإثراء على حساب الغير وتطبيقاتها، فنفى بعضهم وجود هذه القاعدة في الفقه الإسلامي ،وخالفهم آخرون ذهبوا إلى أن فقهاء الشريعة الإسلامية قد بلغوا بمبدأ الكسب دون سبب حداً من الأعمال والتعميم يداني الوسوسة.
ويقول الدكتور شفيق شحاته أن دعوى الإثراء على حساب الغير ،من أعمال الفضولي ويقول في شأن استرداد المدفوع بلا وجه أنه إذا اعتقد شخص أنه مدين لأخر ،فدفع له مبلغاً ،كان للدافع أن يسترد هذا المبلغ ،لأن المدفوع إليه قد أثرى على حسابه بلا سبب ،والنصوص صريحة إذا كان قد نشأ اعتقاد الدافع عن غلط .وقد ورد كذلك أنه إذا دفع شخص إلى من ادعى الوكالة عن الدائن فله أن يسترد ما دفعه ،إذا اتضح كذب المدعى ،وأن المدين إذا دفع إلى الكفيل قبل أن يدفع هذا الكفيل الدين إلى الدائن ،كان للمدين أن يسترد من الكفيل ما دفعه إذا اضطر إلى الدفع ثانية إلى الدائن.
وفي شأن دعوى الإثراء على حساب الغير انه يجوز الرجوع على المالك إذا أقيم بناء أو غرست الأشجار في أرضه واختار المالك الإبقاء ،وقد نصوا على هذا الحق صراحة في حالة المستأجر والمستعير وأيضاً المغتصب .
أن الفقهاء في تعليل حق الرجوع في هذه الأحوال أنه لا يجوز للمالك أن يتولى على البناء والغراس دون مقابل ويرتبون على ذلك التزاماً يدفع القيمة ولا ينظرون إلى ما أنفق بالفعل .
وهناك احوالاً لا يشترط فيها الإثراء بالفعل بل يكفي فيها أن يكون قد ادى الفعل إلى افقار الملتزم له .وهي الحالات الواردة في العقد الفاسد والعقد في هذه الأحوال لا يعتبر سبباً وإذا حصل تسليم الشيء للانتفاع أو قام العامل بالعمل المطلوب رغم هذا البطلان ،فإنه يتولد عن هذا العمل التزام ،ولا يشترط أن تكون قد عادت على الطرف الآخر منفعة بالفعل.
ويلاحظ أن القاصر أو المحجور عليه على العموم قد يسأل عن أثرائه على حساب الغير رغم بطلان العقد.
ونجد أن فقهاء الشريعة الإسلامية قالوا بالالتزام برد المدفوع دون حق والالتزام برد الإثراء الحاصل على حساب الغير في حالات معينة وأنهم لم يخولوا الفضولي حقاً في الرجوع على رب العمل لأنهم اعتبروا الأصل فيه أنه متبرع ،ولكنهم أجازوا له الرجوع إذا كان مضطراً لأن الاضطرار ينافي التبرع.
أركان الإثراء على حساب الغير :
الركن الاول اثراء المدعى عليه.
الركن الثاني: افتقار المدعي افتقار أدى إلى اثراء المدعى عليه.
الركن الثالث:انعدام السبب المشروع .
فنجد لابد في قبول دعوى الإثراء من حدوث اثراء المدعى عليه أي زيادة في قيمة صافي ذمته المالية لأن هذه الزيادة هي التي يترتب عليها نشوء الالتزام بالرد ولأنه لو بقيت قيمة الذمة المالية كما هي أو نقصت عما كانت فلا يكون ثمت اثراء
كما أنه يلزم أيضاً أن يكون قد حدث للمدعي افتقار أدى إلى ذلك الإثراء وإلا فلا يلزم المدعى عليه برد ما أثرى به والافتقار هو نقص في أموال المدعي أو التزامه بدين أو بأي تكليف عيني أو فوات منفعة عليه تقدر بمال أو فوات مقابل خدمة أداها للغير ويستوي كذلك أن يكون الافتقار مادياً أو معنوياً فالوسيط الذي يبذل جهده للاعتداء إلى المبيع الذي يلائم المشتري ويمكن الاخير من عقد صفقة رابحة إنما يفتقر افتقار معنوياً تعود منه فائدة مالية على المشتري ،فيلزم الاخير بتعويضه عن هذا الافتقار .وكذلك إذا كان الافتقار بناء على عقد تبادلية حصل التعاقد بموجبه على حق في مقابل هذا الافتقار فلا يعتد به في مواجهة الأجنبي عن هذا التعاقد الذي يعود عليه من هذا الافتقار اثراء
فنجد أن الافتقار عبارة عن ضرر نشأ بخطأ الغير لأن هذا الضرر يخول المضرور حقاً في تعويضه ،فلا يعتبر افتقاراً إلا اذا تعذر الحصول من المسئول عنه على التعويض اللازم .ويجب على القاضي أن يثبت من توافر السببية بين الافتقار الإثراء وله أن يستعين في ذلك بالقرائن القضائية.
كما أنه إذا كان الافتقار أو الإثراء الناشئ عنه سبب مشروع يسوغه فلا محل لتطبيق قواعد الإثراء على حساب الغير لذلك نصت جميع التقنيات العربية على أنه يشترط في الإثراء الذي يعتبر حاصلاً على حساب الغير بحيث يترتب عليه نشوء الالتزام بالرد أن يكون سبب مشروع أو دون سبب يسوغه
فإذا كان للافتقار أو الإثراء سبب مشروع يسوغه من عقد أو إرادة منفردة أو حكم قانوني يرتب على واقعة معينة نشوء في حق في الإثراء أو التزام بالافتقار او يمنع من مطالبة شخص بما كانت تجوز مطالبته به
فيمتنع استعمال دعوى الإثراء كلما استند الإثراء أو الافتقار إلى عمل قانوني عقدا كان أو إرادة منفردة أو إلى حكم قانوني كحكم النفقة المبني على القرابة وحكم حجية الشيء المقضي به وحكم التقادم.
وفي المملكة العربية السعودية :
نص نظام المعاملات المدنية في الفصل الرابع على الإثراء بلا سبب في المادة الرابعة والأربعون بعد المائة:كل شخص ولو غير مميز يثري دون سبب مشروع على حساب شخص آخر يلزمه في حدود ما أثرى به تعويض هذا الشخص عما لحقه من خسارة ،ويبقى هذا الالتزام قائماً ولو زال الإثراء فيما بعد.