إساءة استعمال السلطة وتأثيرها على الثقة المؤسسية،من بين الجرائم التي صنفها المشرع السعودي ضمن جرائم الفساد جريمة إساءة استعمال السلطة وهي جريمة تتسم بخطورتها الخفية، إذ قد تُمارس تحت ستار النظام أو في ظل الصلاحيات الممنوحة للموظف العام. ورغم أنها لا تنطوي بالضرورة على استيلاء مباشر على المال العام، إلا أن آثارها بعيدة المدى على النزاهة المؤسسية وثقة المجتمع بالدولة.
أولًا: الأساس النظامي للجريمة:
نصت المادة الثانية من نظام هيئة الرقابة ومكافحة الفساد على أن من جرائم الفساد: جرائم إساءة استعمال السلطة. وبهذا، أقر المشرع أن أي استخدام غير مشروع للسلطة الممنوحة للموظف العام أو استغلالها بما يخالف مقاصدها يعد جريمة فساد تستوجب العقاب.
ثانيًا: مفهوم إساءة استعمال السلطة:
يمكن تعريف إساءة استعمال السلطة بأنها: “استغلال الموظف العام أو من في حكمه للصلاحيات المخولة له لتحقيق منفعة شخصية أو لإلحاق ضرر بالغير، بما يتعارض مع مقتضيات الوظيفة ومصلحة الدولة.
ويشمل ذلك صورًا متعددة، مثل:
- المحاباة في التعيينات والترقيات.
- عرقلة معاملات المواطنين بغير مبرر.
- استغلال النفوذ لتحقيق مكاسب شخصية أو لفئة معينة.
ثالثًا: أركان الجريمة:
1.الركن المادي: القيام بفعل أو امتناع يخرج عن نطاق المصلحة العامة باستخدام السلطة الوظيفية.
2.الركن المعنوي: توافر نية الاستغلال أو تحقيق منفعة غير مشروعة.
3.الصفة الوظيفية: أن يكون الجاني موظفًا عامًا أو في حكمه.
رابعًا: الآثار السلبية للجريمة:
1.إضعاف الثقة المؤسسية: إذ يرى المواطن أن القرارات لا تستند إلى معايير عادلة.
2.تعطيل التنمية: حين يُستخدم النفوذ لتعطيل مشاريع أو تمرير صفقات على حساب الكفاءة.
3.تشويه بيئة العمل: انتشار ثقافة المحاباة والمحسوبية بدلًا من الكفاءة والإنجاز.
4.الإضرار بالمجتمع: إذ تتأثر الخدمات العامة بعدم العدالة في توزيع الموارد والفرص.
خامسًا: دور الهيئة في مكافحتها:
- الرقابة الإدارية: رصد الممارسات التي تتضمن استغلالًا للسلطة.
- التحقيق والمساءلة: مباشرة التحقيقات بحق المتهمين بإساءة استعمال السلطة وإقامة الدعوى ضدهم أمام المحكمة المختصة.
- التدابير الوقائية: مراجعة الإجراءات في الجهات العامة لمعالجة مواطن الضعف التي قد تؤدي لإساءة السلطة
- التوعية المجتمعية: نشر الوعي بخطورة الجريمة وآثارها على النزاهة والشفافية.
سادسًا: العقوبات المترتبة:
رغم أن نظام الهيئة لم يحدد عقوبات تفصيلية، إلا أن العقوبات تُستمد من الأنظمة ذات الصلة، ومنها:
- السجن والغرامة وفق نظام العقوبات.
- الفصل من الوظيفة العامة.
- مصادرة أي مكاسب أو منافع تحققت من إساءة الاستعمال.
سابعًا: التحديات العملية:
1.صعوبة الإثبات: لأن إساءة الاستعمال قد تُمارس تحت غطاء شرعي ظاهري.
2.الخلط بين السلطة التقديرية والإساءة: يحتاج القاضي إلى تمييز ما إذا كان الفعل إساءة أم مجرد خطأ إداري.
3.الثقافة المؤسسية: في بعض المؤسسات، قد تكون المحاباة شبه معتادة، ما يصعّب كشفها.
ثامنًا: الحلول المقترحة:
- تعزيز آليات الشفافية في التعيينات والقرارات الإدارية.
- توسيع نطاق الرقابة الداخلية والخارجية على الأجهزة الحكومية.
- تفعيل قنوات التبليغ السرية للمواطنين والموظفين.
- إصدار لوائح تفصيلية توضح الفارق بين السلطة التقديرية والإساءة في استعمالها



